وأنت تتجول في شوارع موسكو الضخمة التي ترتدي الأحمرَ هذه الأيام استعدادًا للاحتفالِ بذكرى الانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية لا يمكن ألَّا تصادفَ رجلًا يحمل بين أصابعه المتجمِّدة من البرد باقةَ ورود، أو سيدةً شقراءَ تسيرُ مقاوِمَةً حركةَ الرياح، حاملةً وردةً تشتمُّ رائحتَها بين الفينة والأخرى، راسمةً على محيَّاها ابتسامةً صغيرةً تذكِّرُها بشيءٍ جميلٍ حدث لها اليوم.
حتى في مداخل العمارات السوفييتية قديمة الطراز، أو على نوافذ الشقق السكنية، أو على طاولات المطاعم والمقاهي، ستجد الوردَ حاضِرًا بقوة، وكأنه يُهمس للزبائن بأن الجمالَ جزءٌ لا يتجزأ من وجبة اليوم، وأن قسوةَ المناخ في الخارج لا يجب أن تتسلل إلى جمال الداخل؛ فالروس أناسٌ عاشقون للورود والزهور، التي لا يكتملُ اعترافُ حبٍّ أو رسالةُ اعتذارٍ أو احتفالٌ بحدثٍ جميلٍ دون حضورها.
هنا في روسيا، حيث يطول الشتاء، الورودُ ليست مجرد ديكورٍ أو وسيلةٍ للتعبير عن مشاعر عاطفية فحسب، بل ثقافةٌ تُؤطِّر العلاقات الاجتماعية، إذ يشتهر الروسُ بتبادل الزهور والورود في المناسبات والأعياد، وكأنهم يرون في الوردةِ انعكاسًا لشخصيتهم: تُزهرُ رغم البرد، وتحافظ على رقتها رغم قسوة الطقس.
في هذا الصدد سألت جريدةُ جريدة النهار الإلكترونية مواطنةً روسيةً تُدعى “فيكا” عن سرِّ حب الروس للورود، فأجابت بلغةٍ إنجليزيةٍ تغلبُ عليها اللهجةُ المحلية: “الوردُ جزءٌ من ثقافتنا، ونُعشقه كثيرًا، خاصةً النساءُ اللواتي يُعَدْنَ من أكثر الشرائح تلقِّيًا له، إذ من العيب عندنا ألَّا تتلقى فتاةٌ باقةَ وردٍ جميلةٍ في أول لقاءٍ غراميّ، أو ألَّا يهديَ الحبيبُ حبيبته أو الزوجُ زوجته وردًا بمناسبةٍ أو بدونها، كتعبيرٍ عن الحب والاهتمام، خاصةً في عيد المرأة الذي تتلقى فيه السيداتُ الروسياتُ الورودَ بكثرة”.
وأضافت المتحدثةُ ذاتُها: “الآباءُ أيضًا يهدون ورودًا إلى أبنائهم بمناسبة عيد ميلادهم على سبيل المثال، وكذلك يفعل الأصدقاءُ الذين قد يجمعون مالًا في ما بينهم لشراء باقةِ وردٍ كبيرةٍ لإدخال البهجة والسرور على أحد أصدقائهم الذي يحتفل بمناسبةٍ سعيدةٍ في حياته، كعيد الميلاد أو التخرُّج من الجامعة. كما أن هناك أنواعًا وألوانًا مختلفةً من الورود التي يُعشقها الروس، خاصةً الحمراء والوردية منها”.
ولأن الورودَ هنا هي اللغةُ الوحيدةُ التي لا تحتاج إلى ترجمة، وهي التعبيرُ الجليُّ عن نمط حياة الروس، توجدُ في العاصمة موسكو عددٌ من محلات وأسواق بيع الورود الشهيرة، كسوق “ريزكي” للأزهار، وسوق الورود في محطة مترو “ماياكوفسكايا” الشهيرة. كما تحتضن العاصمة عددًا من المهرجانات والفعاليات ذات العلاقة بالورد، كمهرجان “المستقبل في الورد” الذي يشهد عرضَ ملايين أنواع الورود أمام الزوار.