في إطار التصورات المستقبلية للمشاريع المراهن على إعادتها رسم خريطة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد بين القارات، كشف باحثان مغربيان عن دراسة علمية تتضمن مُقترحا لإنشاء ممر بحري استراتيجي يربط الصين وروسيا عبر طريق البحر الشمالي، ثم يمتد إلى إفريقيا عبر ميناء الداخلة الأطلسي المغربي، “الذي سيُصبح نقطة وصل حيوية بين إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين”، في خطوة قد تمكّن إن تمّت من تخفيض المسافات التجارية بنسبة 40 في المائة.
وقدّم يونس بنان، الباحث في اللوجستيات الدولية ورئيس معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية بالمغرب، والدكتورة سناء حواتا، الأستاذة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الدراسة المُعنونة بـ”طريق البحر الشمالي والممر العابر للقارات..
ربط الصين وروسيا وإفريقيا عبر ميناء الداخلة الأطلسي”، خلال فعاليات “الحوار المفتوح حول مستقبل العالم”، مشروع المنصة الجديدة للنمو الدولي، المقامة بالعاصمة الروسية موسكو من 28 إلى 30 أبريل الجاري.
ويهدف المشروع، وفق الباحثين، إلى “خفض المسافات التجارية بنسبة 40 في المائة مقارنة بالطرق التقليدية (مثل قناة السويس)”، وكذا “تخفيض التكاليف اللوجستية بنسبة 20-30 في المائة عبر تجنب النقاط الجيوسياسية الساخنة”، فضلا عن تقليص “الانبعاثات الكربونية بنسبة 25 في المائة من خلال استخدام سفن صديقة للبيئة تعمل بالهيدروجين الأخضر”.
وتشمل المراحل الرئيسية في تنفيذ الممر البحري “تعزيز التعاون الثلاثي: بين الصين وروسيا والمغرب، بدعم من تحالف بريكس+ والاتحاد الإفريقي”، و”تحديث البنية التحتية، عن طريق تطوير ميناء الداخلة لاستيعاب السفن العملاقة، وبناء مرافق متعددة الوسائط (سكك حديدية، طرق سريعة)”، إضافة إلى “التحول نحو الطاقة النظيفة (عبر) إنتاج 500 ميغاواط من الهيدروجين الأخضر في الداخلة لتشغيل الأسطول البحري وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري”.
كما تهم هذه المراحل، وفق ما أفاد به الباحثان، “خلق فرص عمل (من خلال) توليد 100 ألف وظيفة في إفريقيا عبر مشاريع التدريب والتصنيع المحلي”، و”ضمان الأمن البيئي؛ توقيع اتفاقيات دولية لحماية المناطق القطبية وتجنب المخاطر البيئية”.
وتتوقع الدراسة أن يُخلّف المشروع “آثارا استراتيجية” على 15 دولة؛ حيث إن المغرب سيكون، حال تنفيذه، المركز اللوجيستي الرئيسي بنسبة 90 في المائة، فيما الصين وروسيا سيكونان شريكين أساسيين في الممر، بنسب 85 في المائة و80 في المائة على التوالي، على أنه سيمكّن من خفض تكاليف التأمين بـ30 في المائة مقارنة بالمناطق المضطربة مثل البحر الأحمر.
ولفتت الدراسة، التي تتوفّر جريدة النهار على نسخة منها، إلى أن طريق الشمال البحريRMN، الذي يمر عبر المحيط المتجمد الشمالي بمحاذاة السواحل الروسية، “يُطرح غالبًا كبديل استراتيجي للممرات البحرية التقليدية، خاصة تلك التي تعبر قناة السويس..”، مُستدركة بأنه “مع ذلك، فإن هذا الطريق ليس متاحا على مدار العام، حيث يخضع لقيود مناخية صارمة”.
واستحضرت أن “قناة السويس تنقل حاليا حوالي 12 في المائة من حركة الشحن العالمية؛ ما يمثل نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ “لكن هذه الممرات التقليدية، مثل القناة (..)، معرضة للاضطرابات الجيوسياسية والأزمات المناخية والاقتصادية. وقد أدت هذه العوامل إلى تعطيلات كبيرة، مثل حادثة جنوح سفينة إيفر غيفن في مارس 2021”. بينما تواجه قناة بنما، بدورها، “تحديات تتعلق بالسعة المحدودة والمخاطر المناخية”.
في هذا الصدد، أوضح المصدر نفسه أن طريقي البحر الشمالي وميناء الداخلة الأطلسي “يوفران بديلا عمليا لقناتي السويس وبنما، حيث تشير تقديرات(..) إلى أن طريق الشمال البحري قد يخفض تكاليف النقل بنسبة 20-30 في المائة مقارنة بالمسارات التقليدي”، فضلا عن اختصار المسافات، حيث على سبيل المثال “يُقدّر أن مسار شنغهاي-الداخلة الأطلسي-روتردام أقصر بنسبة 15 في المائة من المسار عبر قناة السويس (..)؛ مما يقلل تكاليف الوقود ويُعزز تنافسية الشركات”.
وتطوير طريق البحر الشمالي وإدماج ميناء الداخلة الأطلسي في الشبكة التجارية العالمية يمثلان، كما أكد الباحثان، “مبادرتين استراتيجيتين يمتلكان القدرة على إعادة تشكيل التدفقات التجارية العالمية”، مبرزين أن هذه المشاريع، “التي تستوعب تحولات اقتصادية وجيوسياسية عميقة، تقدّم بدائل للممرات البحرية التقليدية مثل قناة السويس وقناة بنما، التي تزداد هشاشة أمام التوترات الإقليمية والجيوسياسية، فضلاً عن الأزمات المناخية والاقتصادية”.
بالمقابل، نبّه الإسهام العلمي المغربي الإنتاج إلى التحديات التي قد تواجه المشروع. وتتوزع هذه التحديات إلى فنية، حيث “تتطلب الملاحة في القطب الشمالي بنيات تحتية متخصصة مثل كاسحات الجليد وموانئ مجهزة، مع استثمارات أولية ثقيلة”؛ وجيوسياسية، إذ “يحتاج المشروع إلى تعاون وثيق بين الصين وروسيا والمغرب لتنسيق السياسات وتقاسم التكاليف”. أما بشأن التحديات البيئية، فأكد المصدر أنه “يتعيّن تقليل التأثير على النظم البيئية القطبية الهشة عبر تبني تقنيات خضراء كالسفن منخفضة الانبعاثات”؛ بينما يتعيّن، على صعيد التحديات الاجتماعية، “ضمان استفادة المجتمعات المحلية من فرص العمل دون الإضرار بأساليب عيشها”.