Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

بنيس يقترح نموذج “الجامعة الأنجلوساكسونية” لمواجهة “الانهزامية الأكاديمية”

بنيس يقترح نموذج "الجامعة الأنجلوساكسونية" لمواجهة "الانهزامية الأكاديمية"

يدافع سعيد بنيس، الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع، عن أن “مأسسة أخلاقيات البحث العلمي” شرطٌ أساسي لتحقيق “الانتقال الجامعي بالمغرب”، حيث “تفرض هذه المسألة لزاما إحداث لجنة وطنية للأخلاقيات تتبعها مناظرة وطنية لتدبير وضبط ممارسة البحث الأكاديمي بالمغرب، في أفق خلق لجنة للأخلاقيات داخل كل جامعة بموازاة اللجنة العلمية ومجالس المؤسسات”.

جاء هذا في إطار ورشة تكوينية للطلبة الباحثين استقبلتها مجموعة الأبحاث والدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، دافع فيها بنيس عن الاستفادة من التقاليد البحثية في الجامعات الأنجلوساكسونية؛ حتى يكون بحث الدكتوراه نقلة جديدة أو زاوية جديدة، “توجه فرضية جديدة”، بمنهجية مبتكرة “تجعل من مشروع الدكتوراه مساهمة متميزة”.

وتابع: “بحث الدكتوراه يتجاوز المنطق العلمي والبحثي والجامعي إلى المنطق الأكاديمي”. ومن هذه الزاوية، “تتموقع مسألة الأخلاقيات، قبل جدوى النتائج. كما أن لجنة الأخلاقيات تمثل لجنة محورية تبث في قبول أو رفض المواضيع؛ وهي اللجنة التي تقرر في الجانب الأخلاقي للبحث واحترام وضمان حقوق أفراد مجتمع البحث، وكذلك في جدوى المنهجية وجدة مشروع البحث”.

وعدّد المتدخل أمثلة لدور هذه اللجان في ضبط ايقاع البحث الأكاديمي؛ “ففي سنة 2003، تم منع أطروحة دكتوراه حول علاقة المثليين المورمون بكنيستهم، من طرف لجنة أخلاقيات جامعة بريغهام يونغ، وفي السنة نفسها تم منع أطروحة حول الحماية الاجتماعية التي توفرها الكازينوهات لعمالها المكسيكيين والفلبينيين من طرف لجنة الأخلاقيات لجامعة أوكلا (يو سي إل إي) بعد أن رفعت دعوة ضد الأطروحة”.

مثل هذا المنهج يصير، وفق المداخلة ذاتها، “العلوم الاجتماعية في محك حقوق الإنسان وارتباطها بها هو ارتباط عضوي من خلال وثيقة موافقة المبحوثين”. كما أنه “من الضروري على الباحث الأكاديمي أن يبرم اتفاقا مكتوبا مع أفراد مجتمع البحث أو مسجلا يدلون فيه بموافقتهم الانخراط في البحث من خلال وثيقة موافقة المبحوث (…) وعلى الباحث كذلك أن يطلعهم على جميع حيثيات البحث وماهية مضمونها، وبهذا ينتقل مجتمع البحث إلى مشارك ومساهم في تقدم وتعميق البحث وجدته وجدواه. وفي بعض الحالات يصبح لزاما مشاركة المبحوث نتائج البحث وقراءتها وإبداء موافقته أو تحفظاته على بعض تداعياتها”.

وفي مشهد جامعي مغربي تستعمل فيه غالبا للدلالة على هوية الباحث صِيغُ المدرسة الفرونكفونية المتأرجحة بين الأنا والنحن وصيغة الغائب، ينتصر سعيد بنيس لصيغة المدرسة الأنجلوساكسونية التي تقول بكتابة “الباحث”، وتوظيف المفهوم في البحث بصيغ؛ من قبيل: “يقترح الباحث اعتماد نظرية…”، و”يرتكز الباحث على فرضية”.

وشدد بنيس على أن “من بين الجوانب الإدارية والتنظيمية التي يتم التعامل معها بصرامة” مسألة “السرقة العلمية”؛ وهي “كل توظيف لأفكار أو ألفاظ الغير دون الإحالة على مصدرها أو توظيف عبارات الغير دون وضعها بين معقوفتين، أو إعادة الصياغة والنسخ دون الإحالة على المصدر وكذلك توظيف الباحث لعمل أو ورقة له تم نشرها فيما قبل دون الإحالة عليه”.

كما نبه على اعتماد الأبحاث الأنجلوساكسونية “معجما محايدا لا يتضمن ألفاظا ومفردات التحامل أو العنصرية أو التنمر أو التمييز أو العنف أو الكراهية أو المحاباة أو المجاملة”؛ و”لهذا يتم نهج بعض الأساليب في كتابة الأطروحة مثل أسلوب الجمعية الأمريكية لعلم النفس ( APA) أو الجمعية العصرية للغات ( MLA) أو أسلوب شيكاغو. وتستفيد الأطروحة من قوانين حقوق الملكية وينضبط إنجازها لغلاف زمني لا يتعدى الثلاث سنوات مع الاشتغال على نسخ مراجعة ومصححة (من طرف باحثين آخرين أو مؤسسات مختصة) قبل تسليمها للمشرف ولجنة المتابعة مع الأخذ بعين الاعتبار توصياتها”.

ويزيد: “أما الكتابة الأكاديمية (…) فتعتمد إجمالا على مبدأ النسبية، ويتم تنحية وتجنب الوثوقيات واليقينيات، وتجنب خطر التداخل بين الصحافي والسياسي والافتراضي والتفاعلي، وكذلك عدم النشر في المجلات المفترسة؛ لأن النشر في هذه الأخيرة يمكن أن يعرض صاحبه لرفض أطروحته وإلغائها”، علما أن “الهدف المباشر من أطروحة الدكتوراه في المدرسة الأنجلوساكسونية هو نحت المفاهيم من خلال التلاقح بين التخصصات وعدم الانغلاق التخصصي”؛ وهو ما دعا في إطاره إلى التفكير “من داخل مقولة تَمَغْرِبِيتْ في مركز مغربي للعلوم الاجتماعية، لترسيخ هوية أكاديمية مغربية وطنية تمكننا من الاستقلال والانسلاخ عن العلوم الاجتماعية في صيغتها الفرنكوفونية، في أفق صياغة معجم مغربي في العلوم الاجتماعية ينضبط للظواهر والإشكالات الترابية والمحلية.

ودافع بنيس عن “التفكير في مخرجات وتطلعات للحؤول دون الانهزامية الأكاديمية المغربية وإيلاء المكانة الرفيعة التي تستحقها العلوم الاجتماعية داخل المجتمع المغربي، وإعادة طرح سؤال الحاجة للشرط الأكاديمي في البحث العلمي”.

ومن بين الحلول التي اقترحها “التحفيز” الذي “يمكن أن يكون ماديا مثل: حركة الباحثين والبنيات التحتية … أو رمزيا بتسهيل الإجراءات العلمية من قبيل: البحث الميداني، والولوج إلى المعلومة…”؛ لأن “مقومات التحفيز لها انعكاسات إيجابية على نوعية وجودة البحث العلمي، ولا سيما إذا تم ربطها ببعض الآليات مثل الأخلاقيات والتحكيم والقراءة القبلية”.

من هذه الزاوية، يمكن التمهيد لـ”بناء عناصر منظومة التحفيز الأكاديمي في الحالة المغربية” من خلال اعتماد آليات “التملك المعرفي للممارسة النظرية والميدانية، والترصيد العلمي من خلال اعتراف الأقران والنشر في المجلات المحكمة، والتمكين الأكاديمي للانخراط في المجموعة العلمية الوطنية والإقليمية والعالمية”.

وقال بنيس إن السؤال الراهن هو: “ما القيم التي نريد للبحث العلمي؟”؛ فـ”من القيم التي يمكن الاستفادة منها في التجربة الأنجلوساكسونية قيم الصرامة والموضوعية من خلال استعمال صيغة “الباحث”، وقيمة العقلانية عبر جسر التجريب والميدان لأن جميع تخصصات العلوم الاجتماعية تصير خاضعة لمقولة التجريب”.

وأكد الباحث على استعجال الارتكاز على هذه القيم “بالنظر إلى نواقص الأطروحات بالمغرب في حقول العلوم الاجتماعية”؛ وهو ما يمكن أن ينطلق حله من اعتماد الجامعات مبدأ “محترفات الكتابة الأكاديمية للرفع وتجويد نوعية المضامين”، واعتماد “مجزوءات أساسية في الكتابة الأكاديمية كشرط لاستيفاء الحصول على درجة الدكتوراه”.

ومع تطور العالم الافتراضي والذكاء الصناعي، ذكر سعيد بنيس أن هذا العهد “يطرح على الجامعة المغربية إشكال المنهجية والمنهج والمرور من بحث ميداني واقعي إلى بحث ميداني افتراضي، والانفتاح على علوم اجتماعية افتراضية وعلى تخصصات مثل الأنثروبولوجيا الافتراضية، والإثنوغرافيا الرقمية، والتفكير في سوسيولوجيا ديجيتالية، ودراسات إسلامية افتراضية، ودراسات تاريخية وسياسية رقمية ودراسات لغوية افتراضية”.

Exit mobile version