المناظرة الأولى للمصحات الخاصة تستحضر بمراكش واقع المصحات بين القانون والممارسة

المناظرة الأولى للمصحات الخاصة تستحضر بمراكش واقع المصحات بين القانون والممارسة
حجم الخط:

لا أحد يجادل في أهمية المصحات الخاصة في منظومة الصحة ببلادنا، وفي هذا الإطار، نظمت الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، نهاية الأسبوع الماضي، بأحد الفنادق المصنفة بمدينة مراكش، المناظرة الأولى للمصحات الخاصة

واختير للمناظرة شعار”الاستشفاء الخاص في خدمة المواطن”، خصصت لواقع المصحات الخاصة ببلادنا بين القانون والممارسة، وهل تستجيب هذه المصحات لشروط وضمانات التطبيب.

وشكلت المناظرة، التي شهدت مشاركة أزيد من 200 مصحة خاصة، فرصة للتطرق لما تقدمه المصحات الخاصة من خدمات من خلال الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة، التي تشكل استثمارا كبيرا بالنسبة لمهنيي الصحة، ودراسة العديد من القضايا الراهنة، خاصة ما يرتبط بنظام التغطية الصحية، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والعرض الطبي بالقطاع الخاص.

وتميزت المناظرة التي نظمت على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة الحسين الوردي، وزير الصحة، ومختلف المتدخلين بقطاع الصحة (وزارة الصحة، ومنظمات الاحتياط الاجتماعي، وصندوق الضمان الاجتماعي، وشركات التأمين)، علاوة على الأطباء الممارسين بالقطاع وأجانب لتبادل تجاربهم، خاصة في مجال تحرير رأسمال المصحات.

وتدارس المشاركون مختلف القضايا التي تهم قطاع المصحات الخاصة على الصعيد الوطني، خاصة ما يتعلق بقطاع التعويض، سواء على المستوى العمومي أو الخاص، كما توقف المشاركون عند وسائل العلاج وارتفاع تكلفة المعدات الطبية، خصوصا المستوردة من الخارج، وعلاقة المريض بالمصحة الخاصة وما أصبحت تعرفه من مشاكل، وعدم تفهم المريض لبعض الأمور، خصوصا في العمليات الباهظة الثمن، كما تطرقوا، أيضا، لموضوع التغطية الصحية ودورها في تخفيف العبء المادي على المريض.

وحسب عدد من المهنيين أصحاب المصحات الخاصة، فإن الهيئة الطبية بالمغرب ككل، ترفض المقترح الوزاري القاضي بفتح المجال أمام المستثمرين الخواص بغية إنشاء المستشفيات والمصحات، الذي سبق طرحه من طرف وزيرة الصحة السابقة ياسمينة بادو، وقوبل بانتقادات لاذعة ورفض واسع النطاق من طرف الهيئات الطبية، وكذا المنظمات الحقوقية، التي نددت بما جاء فيه من معطيات.

وأكد هؤلاء المهنيون، في لقاء مع “المغربية”، خطورة هذا القانون، إذا ما أعادت الوزارة الوصية طرحه من جديد وحاولت تطبيقه على أرض الواقع، وهو ما يشكل سابقة خطيرة تستهدف المس بالأطباء والمواطنين على حد سواء.

وعبروا عن أملهم في التقليص من التكاليف الضريبية، وتسهيل الإجراءات من قبل السلطات العمومية من أجل تنمية هذا القطاع، مشيرين إلى أن مهنيي الصحة بالقطاع الخاص مستعدون لمواكبة السلطات العمومية في مهمة تحسين الصحة العمومية، من أجل توفير خدمات أفضل بتكلفة أقل.

وأوضحوا أن مشروع إعادة صياغة القانون المتعلق بممارسة الطب في المغرب يجب أن يندرج ضمن إصلاح شمولي للممارسة الطبية، يهدف إلى تحسين أداء ومستوى النظام الصحي برمته، وينبني على مشاورات مع جميع مكونات القطاع الصحي.

السملالي: السماح لغير الأطباء بالعمل في إطار تحرير القطاع قد يفقد الممارسة الطبية استقلاليتها

أجرى الحوار عبد الكريم ياسين – قال رضوان السملالي، الرئيس المنتدب للجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، إن انعقاد المناظرة الأولى للمصحات الخاصة، شكل مناسبة للتواصل مع المسؤولين الحكوميين، والمهنيين، لتبادل وجهات النظر بخصوص بناء مقاربة تشاركية، في أفق وضع سياسة للشراكة بين القطاع العام والخاص.

وأضاف السملالي، في لقاء مع “المغربية”، أن من بين التوصيات المنبثقة عن هذه المناظرة، التفكير في الوسائل التي تتيح التوصل إلى تعميم التأمين عن المرض بشكل أكبر يمكن من تكفل طبي أفضل.

وأوضح السملالي أن السماح لغير الأطباء بالعمل في إطار تحرير القطاع من شأنه أن يفقد الممارسة الطبية استقلاليتها، وهو ما ينعكس سلبا على صحة المواطن المغربي.

كيف جاء تنظيم المناظرة الأولى للمصحات الخاصة بمراكش؟

شكل انعقاد المناظرة الأولى للمصحات الخاصة، مناسبة للتواصل مع المسؤولين الحكوميين، والمهنيين، لتبادل وجهات النظر بخصوص بناء مقاربة تشاركية، في أفق وضع سياسة للشراكة بين القطاع العام والخاص، تشمل قطاع الصحة برمته، خاصة في ما يتعلق بالتمويل والتغطية الصحية والموارد البشرية، وإرساء حوار حول الملف المطلبي لمهنيي قطاع الصحة بالمصحات الخاصة، من أجل التوصل لحلول ملائمة تصب في مصلحة قطاع الصحة، وتحسين الخدمات الطبية.

ما هي أهم المواضيع التي جرى التطرق إليها في هذه المناظرة؟

المناظرة الأولى للمصحات الخاصة، كانت مناسبة للتطرق للعديد من المواضيع تهم قطاع الصحة، خاصة التأمين الإجباري عن المرض (حصيلة ثماني سنوات من تطبيقه)، وإرساء شراكة بين القطاعين العام والخاص، وكذا مسألة تحرير رأسمال المصحات الخاصة في وجه غير الأطباء، كما تضمن برنامج هذه المناظرة تنظيم أربع ورشات، تناولت مواضيع همت “التأمين عن المرض، واقع الحال بالمغرب”، و”الشراكة بين القطاعين العام والخاص: أية حصيلة أي مستقبل”، و” وتحرير رأسمال المصحات”، و”كيفية تحسين عرض العلاجات بالقطاع الخاص”، إضافة إلى تدارس حصيلة التأمين عن المرض الذي لا يغطي اليوم سوى 35 في المائة من السكان، مما لا يتلاءم مع التطور التكنولوجي والتقني للممارسة الطبية الحالية.

ماذا عن أهم التوصيات التي انبثقت عن هذه المناظرة؟

لعل من أهم التوصيات تعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص لتكون شاملة، إضافة إلى ضرورة التفكير في الوسائل التي تتيح التوصل إلى تعميم التأمين عن المرض بشكل أكبر يمكن من تكفل طبي أفضل ومتابعة تطور الممارسة الطبية الحديثة.

هل يمكن الحديث عن الخطورة التي يشكلها مقترح الوزارة القاضي بتحرير القطاع الطبي أمام المستثمرين الخواص، حتى وإن لم يكونوا مهنيين في القطاع؟

السماح لغير الأطباء بالعمل في إطار تحرير القطاع من شأنه أن يفقد الممارسة الطبية استقلاليتها وهو ما ينعكس سلبا على صحة المواطن المغربي، هذا المقترح سيفتح الباب أمام الاستثمار التجاري في الصحة، ما سيحول المهنيين في الميدان الطبي إلى مجرد يد عاملة ويفقدهم استقلاليتهم وكرامتهم، ويضع المريض في الحالة التي يفرضها نظام السوق. ما يهم المستثمر التجاري في هذا الإطار هو تحقيق هامش مقبول من الربح، وللحصول على ذلك عليه أن يقوم بتخفيض المصاريف والرفع من المداخيل، كما أن المستثمر سيسعى لفرض طريقة معينة للاشتغال على الأطباء العاملين في هذه المصحات.

كيف تعاملتم مع الملفات المعروضة على أنظار القضاء والخاصة بالأخطاء الطبية التي تقع ببعض المصحات؟

نحن نثق في هيئة القضاء، لكن يجب أن يتحمل كل واحد مسؤوليته في هذا المجال، وفي الوقت نفسه، يجب التنويه هنا بالعديد من المصحات، التي ثبت من خلال التفتيش أنها ذات جودة عالية، وتمتلك تجهيزات وتقنيات بيوطبية رفيعة وتقدم خدمات مهمة جدا يفتخر بها على المستوى الدولي.

عزيز عمور: مستقبل المصحات الخاصة رهين بمراجعة أسعار التكاليف الصحية

أجرى الحوار: عبد الكريم ياسين – أكد الدكتور عزيز عمور، طبيب أخصائي في علاج أمراض السرطان بمصحة المنارة الخصوصية، أن المصحات الخاصة بالمغرب عموما وبمراكش على وجه الخصوص تعاني مجموعة من المشاكل، منذ نشأتها إلى بداية العمل بها.

وأوضح عمور أن الممارسة الطبية بالمغرب تقتضي إصلاحا شاملا، يأخذ بالاعتبار كل العوامل، التي هدفها الأساسي تحسين الحكامة لتسهيل ولوج جميع المواطنين إلى الخدمات الصحية بكيفية عادلة ومتكافئة، مشيرا إلى أن مستقبل المصحات الخاصة رهين بمراجعة أثمنة التكاليف الصحية.

ما هي في نظرك أهم المشاكل والعراقيل التي تواجهها المصحات الخاصة؟

بطبيعة الحال المصحات الخاصة بالمغرب عموما ومدينة مراكش على وجه الخصوص تعاني مجموعة من المشاكل، منذ نشأتها إلى بداية العمل بها، أهمها المشكل المادي، فعلى سبيل المثال، عندما قررت رفقة مجموعة من الأطباء الأخصائيين الذين يحملون دبلومات أوروبية، إحداث مصحة خاصة بتشخيص وعلاج أمراض السرطان، الأولى على صعيد جنوب المغرب بعيدا عن محور الدارالبيضاء الرباط، لتعزيز الخدمة الصحية بالمغرب، اصطدمنا بصعوبة الحصول على قروض بنكية، إضافة إلى أن جميع الشركات تستفيد من الخصم الضريبي باستثناء شركة الأطباء، وهو عائق ينضاف إلى العائق المادي، فضلا على مشكل التغطية الصحية، التي تغطي الآن حوالي 30 في المائة من السكان في المغرب، وهذا تطور كبير، لكن يبقى غير كاف. كما أن هذه النسبة تواجه صعوبات كثيرة ويومية من أجل التعامل مع مؤسسات التغطية الصحية، لأن هناك تأخرا في الإجراءات المتعلقة بالموافقة على طلب تحمل نفقات العلاج، ما يؤثر سلبا على بداية العلاج عند المريض، إضافة إلى تأخير التعويض عن الأدوية المكلفة التي تشتريها المصحات الخاصة من المختبرات وتمنحها بالمجان للمرضى، ما يؤثر سلبا على خزينة المصحة.

إذن، كيف استقبلتم مقترح الوزارة القاضي بتحرير القطاع الطبي أمام الخواص؟

– المستثمر يبحث دائما عن الربح مائة في المائة، ولن يقبل أبدا أن يبدأ المريض العلاج قبل الموافقة على طلب تحمل نفقات العلاج، إضافة إلى عجزه عن تأدية أثمنة الأدوية الباهضة، في انتظار صرف التعويض من طرف الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بعد ثلاثة أشهر، فالممارسة الطبية بالمغرب تقتضي إصلاحا شاملا، يأخذ بالاعتبار كل العوامل، التي هدفها الأساسي تحسين الحكامة لتسهيل ولوج جميع المواطنين إلى الخدمات الصحية بكيفية عادلة ومتكافئة. فقطاع المصحات الخاصة برمته مستعد للمساهمة الفعالة والإيجابية في إقامة وتفعيل هذا الإصلاح، وكل إصلاح غير متوازن وشمولي يقتصر على مجرد إسناد الخدمة الصحية إلى المستثمرين غير الأطباء في الظروف الراهنة، هو في نظرنا غير مناسب، وفي منتهى الخطورة على نظامنا الصحي، ويمكن أن يهدد استقرار واستمرار نظام التأمين على الصحة، فالإصلاح الحقيقي للنظام الصحي لابد أن يأخذ بالاعتبار الموارد البشرية، والمؤسسات، والتنظيم والتنسيق، والموارد المالية، التي تعد السبيل الوحيد لتحسين كفاءة وأداء وفعالية قطاع الصحة.

كيف تنظر إلى مستقبل المصحات الخاصة؟

مستقبل المصحات الخاصة رهين بمراجعة أسعار التكاليف الصحية، لأن الطبيب يسعى إلى تحسين مصحته بتعزيزها بالوسائل والآليات الحديثة، أنا لست ضد المقترح الوزاري بصفة عامة، لكن لابد من تأطيره، من خلال احترام الخريطة الصحية، ودفع المستثمرين الجدد إلى إنشاء مصحات خاصة بالمناطق النائية، والحفاظ على حقوق وكرامة الطبيب، ومن الواجب مراجعة أسعار التكاليف الصحية من الفحوصات الطبية إلى العمليات الجراحية، وكذا الوسائل الحديثة للعلاج.

ماذا عن الشراكة بين القطاع العام والخاص في المجال الصحي؟

الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الحل الوحيد، فمشروع القانون يمكن أن يكون مقترحا لكن الحل موجود الآن، وهناك أمثلة حقيقية بخصوص الشراكة بين هاذين القطاعين، أتمنى أن تتعزز هذه الشراكة على أرض الواقع بين مركز الأنكلوجيا المنارة، والمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس.

هل يمكنك الحديث عن مصحة الأنكلوجيا المتخصصة في علاج أمراض السرطان؟

– مركز الأنكلوجيا المنارة، يشتغل به ستة أطباء، يعتبر أول مركز بجنوب المغرب خارج محور الرباط الدارالبيضاء، يعالج مختلف أمراض السرطان بتكاليف باهضة في مراكش، يعمل على تشخيص وعلاج الأورام، والعلاج بالأشعة، جرى إحداثه باستثمار مالي قدر بحوالي 7 ملايير سنتيم، لتجسيد مسألة الجهوية المتقدمة، لأن المغرب الآن محتاج إلى جهوية صحية، ويجب أن يكون هناك توازن في الاستثمار في القطاع الصحي في مختلف المدن والبوادي لتعزيز الخدمة الصحية بالمغرب.