في ثالث أيام الاحتجاج الذي شنه المحامون المغاربة بمختلف محاكم المملكة، وصل حد الاعتصام المفتوح أمام البرلمان ضدا على المقتضيات الضريبية المستجدة في مشروع قانون المالية لسنة 2023. طرح السؤال الكبير هل يرفض المحامون أداء الضريبة؟ ولماذا هذا الغضب والتصعيد؟ وما جديد هذه المقتضيات حتى يتفقون جميعا على رفضها بجميع إطاراتهم المهنية؟. في محاولة لاحتواء الوضع قررت الحكومة فتح الحوار مع أصحاب البذل السوداء. وفي انتظار مخرجاته يفسر لنا الأستاذ مصطفى محمد صدقي، عضو مجلس هيئة المحامين بالدارالبيضاء ورئيس جمعية التواصل المهني للمحاماة في الحوار الآتي سبب غضب المحامين، ومطالبهم بخصوص هذه المقتضيات الضريبية الجديدة وبلغة الأرقام أكد أن المحاماة من بين القطاعات الخمس الأولى المؤدية للضريبة بالمغرب
1: هل يرفض المحامون أداء الضريبة؟
في الواقع هناك كثير من المغالطات يتم الترويج لها بسوء نية وللأسف من بعض المسؤولين مفادها أن المحامون لا يؤدون الضرائب والحال أن قطاع المحاماة يعد من بين الخمس قطاعات الأولى التي تؤدي الضريبة على الدخل.
وفي هذا الإطار يمكن الرجوع إلى الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المديرية العامة للضرائب، التي أشار إليها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المجال الضريبي الصادر سنة 2019، تحت عنوان “من أجل نظام جبائي يشكل دعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد” حيث يتأكد أن قطاع المحاماة ساهم إلى جانب أنشطة المحاسبة بحوالي 22,6 في المائة من مجموع المساهمة الإجمالية للضريبة على الدخل برسم سنة 2018.
كما أن نفس الاحصائيات تؤكد وجود نسبة امتثال ضريبي مرتفع عقب الإشعار من بين جميع المهن، فضلا عن ارتفاع عدد المسجلين الجدد في صفوف المحامين وفقا لما يؤكده تقرير المديرية العامة للضرائب سنة 2020.
ولعل ذلك يؤكد أننا لا نرفض أداء الواجبات الضريبية وإنما لا بد أن يكون ذلك في إطار العدالة الضريبية، واحترام المبادئ القانونية المنظمة لأداء الضرائب في جميع أنحاء العالم، فمن غير المقبول أداء الضريبة على الدخل دون وجود تحقق دخل أصلا أو الحجز من المنبع في غياب الامتناع أو رفض الأداء وفقا لما جاء به المشروع الحالي.
2: ما هي المقتضيات الضريبية الجديدة التي أتى بها قانون المالية الجديد؟
المقتضيات الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المالية الجديد تنقسم إلى قسمين:
* أولا: فرض تسبيقات ضريبية على الدخل بمناسبة إيداع أي مقال بالمحكمة، حيث أن المحامين ملزمين بأن يؤدوا تلقائيا لدى كاتب الضبط بصندوق المحكمة لحساب قابض إدارة الضرائب مرة واحدة عن كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي عند إيداع أو تسجيل كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي عند إيداع أو تسجيل مقال أو طلب أو طعن أو عند تسجيل نيابة أو مؤازرة في قضية بمحاكم المملكة، تسبيقا برسم الضريبة حسب على الدخل عن السنة المحاسبية الجارية، تتراوح بين 100 درهم و500 درهم حسب كل مرحلة.
* ثانيا: حجز الضريبة على الدخل من المنبع على الأتعاب بنسبة 20 في المائة لحساب الخزينة من لدن الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون العام أو الخاص.
*ثالثا :الرفع من الضريبة على القيمة المضافة الى 20 في المائة بدلا من 10 في المائة.
3: ما الذي أغضب المحامين من هذه المقتضيات ليصل حد مقاطعة المحاكم لأسبوع مرشح للتصعيد؟
هناك عدة أسباب أهمها الخروج عن مبدأ العدالة الضريبية وكأن الأمر يتعلق باستهداف قطاع المحاماة الذي سيصبح القطاع الوحيد الذي سيؤدي تسبيقا عن دخل غير محقق الوجود ومبني على الاحتمال فقط، كما أن هذه المقتضيات لم تأخذ بعين الاعتبار بعض الخصوصيات التي لا توجد إلا في مهنة المحاماة، ومنها عادة أن المحامي لا يتقاضى أتعابا في مجموعة من الملفات منها الملفات العائلية أو ملفات الأصدقاء أو الجيران إضافة إلى التطوع في المؤازرة في ملفات الرأي والملفات الحقوقية.
ومن مظاهر التعسف والشطط التي تطبع المشروع هو حجز نسبة 20 في المائة من المنبع أي من رقم المعاملات، فإذا ما تم إضافة نسبة المساهمة الدنيا وهي 4 في المائة حسب المشروع، سيصبح المحامي يؤدي ما مجموعه 24 في المائة من رقم معاملاته، والحال، أن هذا المقتضى سيطرح العديد من الإشكالات من الناحية العملية، ولعل أبرزها في حالة الاقتطاع من المنبع وعدم تحويل المبالغ المقتطعة من طرف الموكل فمن المسؤول حينها. كما أن ذلك يتعارض مع نظام الربح الصافي الذي يخضع له قطاع المحاماة.
ومن جهة أخرى فإن الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة يتعارض مع شعار الولوج المستنير للعدالة والحق في الولوج لها، علما أن المواطن لا يلجأ إلى القضاء إلا دفاعا عن حقه أو حريته أو استرجاع أمواله، وليس لإنشاء حقوق أو أرباح مادية، لذلك لا يمكن أن يتصور أداء متهم محكوم بالسجن أو مطلقة تستصدر حكما من أجل أداء نفقتها الشهرية ونفقة أبناءها، أو مصاب بعاهة مستديمة نتيجة اعتداء أو حادثة سير أو شغل، أو أجير تم فصله تعسفيا عن العمل، لا يمكن أن يتصور أن يؤدي هؤلاء الضريبة على القيمة المضافة، فما هي القيمة المضافة التي تحققت لهم بسبب اللجوء إلى القضاء.
ففي الوقت الذي كانت فيه هناك مطالب بحذف الضريبة على القيمة المضافة جاء المشروع بمقتضى جديد هو رفعها إلى 20 في المائة بدلا من 10 في المائة.
4: إذا كان المحامون لم يتخلوا عن برنامجهم الاحتجاجي فلماذا تشكيل لجنة مشتركة للحوار مع وزارة الاقتصاد والمالية؟
لا بد من التأكيد أن المحامين أجبروا على الاحتجاج ولم يكن ذلك باختيارهم، بل بسبب المقتضيات الخطيرة التي تمس المواطن أولا وتمس رسالة المحاماة ثانيا، فكما هو معلوم فإن المحاماة كانت ولازالت وستظل في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان ولعل أهم حق هو حق الولوج للعدالة دون تكاليف تمنع من ذلك.
والمحامون عادة لا يلجأون إلى التصعيد إلا إذا أغلقت أبواب الحوار، ومادام أن هناك إمكانية لذلك فهم لا يمانعون في إجراء حوار مع وزارة الاقتصاد والمالية للوصول إلى حل توافقي يراعي مصلحة المواطن والمحامي ويحقق المصلحة العامة للوطن.
ومرة أخرى أؤكد أن المحامين لا يرفضون أداء الضرائب الواجبة عليهم لفائدة وإنما يتعين مراعاة خصوصيات مهنة المحاماة وأشكال الممارسة المهنية واحترام مبدأ العدالة الضريبية بين جميع أبناء الوطن دون تمييز لفئة عن أخرى.
الصور:
1: المحامي مصطفى محمد صدقي خلال الوقفة الاحتجاجية اليوم
2: احتجاج المحامين على المقتضيات الضريبية أمام المحكمة المدنية الابتدائية الدارالبيضاء
