صندوق الإيداع والتدبير يناقش “إعداد المدن المغربية للتغيرات المناخية وآثارها محليا”

صندوق الإيداع والتدبير يناقش "إعداد المدن المغربية للتغيرات المناخية وآثارها محليا"
حجم الخط:

نظم معهد مجموعة صندوق الإيداع والتدبير، ندوة عن بعد تحت عنوان “إعداد المدن المغربية للتغيرات المناخية”. وركزت المداخلات في هذا اللقاء على “أن تغير المناخ أصبح يشكل أحد أكبر تحديات القرن 21، وبما أن الآثار المترتبة عن هذا الأخير تتجلى على المستوى المحلي، فإنها بالتالي تتطلب ردودا محلية”.

وشدد المتدخلون على أن المدن المغربية مطالبة بالتعبئة من أجل مواجهة هذه الآثار وتداعياتها على منظوماتها البيئية الحضرية، خاصة من خلال إدماج البعد المناخي في برامج التنمية المحلية.
وبغرض مساءلة مرونة المدن المغربية وقدرتها على الصمود والتأقلم وإدماج البعد البيئي في برامجها التنموية، استضاف المعهد ثلة من المتخصصين والخبراء، منية ضياء لحلو، مديرة تنمية شركة التهيئة والتنمية الخضراء (SADV) – المكتب الشريف للفوسفاط، ونور الهدى الحمومي، مديرة قطاع التنمية المستدامة، شركة تهيئة زناتة – مجموعة صندوق الإيداع والتدبير، وكارلوس دو فريتاس، مستشار الاستراتيجيات لدى الصندوق العالمي للتنمية الخضراء (FMDV)، وعبد الرحيم كسيري، رئيس جمعية أساتذة علوم الحياة والأرض وعضو المجلس الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي.
وجاء في هذا اللقاء أن آثار تغير المناخ تزيد من تعقيد التحديات التي تواجهها المدن المغربية اليوم. حيث أبرزت المداخلات أن التطور الحضري السريع الذي عرفته المملكة، ساهم في تعميق التفاوتات المجالية والاجتماعية. تنضاف إلى ذلك التحديات المرتبطة بقضايا الأمن والسيادة الوطنية، وتنامي حركات “الهجرة المناخية” سواء القادمة من العالم القروي أو من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ويزيد انعدام وضوح الرؤية من تفاقم الأزمة: فقد أصبح على السلطات الحكومية أن تتخذ قرارات فورية حول البنيات التحتية التي يجب إنجازها على المدى المتوسط والطويل، مع حالة انعدام اليقين حول تطور الظروف المناخية.
وقال المتدخلون “نحن إذن أمام أزمة متعددة الأبعاد: فلم يعد بالإمكان فصل الآثار المناخية والإيكولوجية عن الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وبالتالي فإن إيجاد حل للأزمة يتطلب تعبئة جميع الفاعلين: منتخبين، مجتمع مدني، ساكنة محلية، إلخ. وأصبح من الضروري إدراج آثار التغيرات المناخية كمكون أصلي في تدبير
الفضاءات الحضرية”.
في هذا السياق، ومنذ عقد من الزمن، حاول المغرب اعتماد تجارب جديدة في مجال التعمير، والتي تضع التنمية المستدامة في قلب التخطيط الحضري وتدبير المجالات الترابية، على غرار المدينة – البيئية زناتة والمدينة الجديدة في بنجرير. من خلال اعتماد مشاريع حضرية تأخذ بالاعتبار الأسئلة الإيكولوجية والبيئية، منذ المراحل الأولى لبلورتها، محاولة الحد من انبعاث الغازات المسببة للدفيئة وخلق فضاءات عيش تضع الإنسان في مركز آليتها.
في هذا السياق، أوضح المتدخلون أن المجتمع المدني المغربي، ساعد عبر تقديم التحليلات والتشخيصات البناءة، في تنمية الوعي الجماعي بأثر تغير المناخ على تطوير المدن المغربية. وقام بتعبئة العديد من الروافع على مختلف مستويات العمل: توجيه وتنشيط النقاشات العمومية، الترافع لدى السلطات العمومية، تطوير ومواكبة مشاريع التأقلم والتخفيف، حملات توعية موجهة للشباب ولغير الشباب، إلخ.
كما أن هناك وعيا حقيقيا بالرهانات المناخية وسط الطبقة السياسية، ما سهل إدراج عمليات التأقلم والتخفيف في إطار مخططات العمل المحلية: 70 % إلى 75 % من المشاريع المقررة في إطار المخططات الجديدة للتنمية الجهوية تتضمن البعد المناخي.

غير أن تنفيذ هذه المشاريع يبقى رهينا بتوفير القدر الكافي من الموارد البشرية التي تمتلك الكفاءات التقنية الضرورية، خاصة على مستوى الجماعات الصغيرة.
واعتبر المتدخلون أن المؤسسات المانحة العمومية (بنوك التنمية، وكالات التعاون، إلخ) أصبحت تبدي بوضوح استعدادها لدعم المشاريع ذات الصبغة المناخية. وتعتبر الجماعات الترابية والحكومات المحلية، الجهات المفضلة، نظرا لقربها من السكان وإدراكها للوقائع والاحتياجات المحلية.

إلا أن الوصول لخطوط التمويل قد يتسم بالصعوبة والتعقد بسبب قلة تجربة الجماعات الترابية فيما يتعلق بالتركيب الاقتصادي والمالي للمشاريع البيئية والصعوبات التي يمكن أن تصادفها في إنجاز وتوفير التقارير التي يتطلبها المانحون. في هذا الإطار، تم إطلاق “برنامج الدعم المؤسساتي، الاستراتيجي والتقني لإدماج وإعداد وتمويل المشاريع المحلية والجهوية المتلائمة مع التغيرات المناخية” (SISTIF)، بغية إنشاء فريق للخبرة المالية على المستوى الداخلي قادر على مواكبة الجهات والجماعات الترابية للمملكة في إعداد المشاريع ذات الصبغة المناخية. وذلك بهدف مواكبة الحكومات المحلية في إعداد مشاريع جذابة بالنسبة للمستثمرين، سواء تعلق الأمر بالمانحين الأجانب أم الوطنيين.
وتمخض اللقاء عن إصدار توصيات، أكدت على أنه لا يجب اعتبار أن جميع إجراءات التنمية المستدامة مكلفة، لأن العديد منها مجرد حس منطقي ولا يتطلب تنفيذها أموالاً إضافية (توجيه المباني، المساحات الخضراء مع النباتات الملائمة للمنطقة المعنية، وما إلى ذلك)، كما يجب أن تكون الجماعات الترابية قادرة على إعداد مشاريع التأقلم والتخفيف ممكنة التحقيق، الشيء الذي سيمكنها من إنجاح التعبئة حول مشاريعها واجتذاب التمويلات اللازمة، إضافة إلى تشجيع تنمية مؤسسات الوساطة (مثل صندوق الإيداع والتدبير وصندوق التمويل الجماعي) تكون قادرة على التقاط التمويلات المناخية الدولية، وذلك بفضل الثقة التي تتمتع بها لدى الجهات المانحة الخارجية وقدرتها على إنتاج تقارير مالية مطابقة للمعايير الدولية.
كما أكدت التوصيات على أنه من الضروري أيضا التماس التمويل الخاص، حيث أن على الجماعات الترابية القيام بتطوير العديد من المشاريع “القابلة للتمويل” في قطاعات نشاط جذابة (النقل، معالجة النفايات، إنتاج الطاقات المتجددة، النجاعة الطاقية، إلخ.) والتي يمكن أن تشد اهتمام الرساميل الخاصة، ويجب إقامة تحالف مصالح بين مختلف الأطراف المعنية.

إذ يمكن للجماعات الترابية أن تخطط العمليات وتنشط النقاش والحوار، لكن لا يمكنها التصرف بمفردها، يجب أن تكون قادرة على الاعتماد على مساهمة الجهات الفاعلة المنظمة على المستوى المحلي (تعاونيات، شركات، إلخ.) من أجل تزويدها بمشاريع تندرج في إطار استراتيجياتها للتنمية المحلية. على الجماعات الترابية أن تكون نقطة التقاء بين هؤلاء الفاعلين والمانحين والممولين.
ومن ضمن ما جاءت به هذه التوصيات هو أنه لا يوجد حل سحري لضمان مرونة وتأقلم وصمود المجالات الترابية. لكن الاعتماد على مقاربة حضرية مهيكلة، مندمجة، شاملة ومدمجة ستمكن من معالجة ناجعة لتحديات الحاضر وكسب المناعة الكفيلة بمقاربة تحديات المستقبل.