جمعية بيتي الحضن البديل للأطفال في وضعية الشارع بالدار البيضاء

تصوير: عيسى سوري
حجم الخط:

“أريد أن أعيش بسلام”، هذه العبارة هي أول ما يلفت نظرك عند الولوج إلى مركز استقبال الأطفال في وضعية صعبة التابع لجمعية بيتي بعين الشق بالدار البيضاء، لم تحمل توقيع من خطها بأنامله لكنها تعبر عن رغبة مكبوتة للعديد من الأطفال والقاصرين الذين تقاذفت بهم الأقدار إلى الشارع ووجدوا في المركز حضنا بديلا يعوضهم دفء الأسرة ويجدد أواصر الإنسانية في وجدانهم.

 في القاعة المتعددة التخصصات، اجتمع قرابة عشرين قاصرا وقاصرة مغاربة ومهاجرين من جنوب الصحراء، يتبادلون أطراف الحديث وهم يستمتعون بألعاب الطاولة ويتقاسمون لحظات الألفة والإحساس بالانتماء، من ضمنهم مصطفى الذي زج به التهور الطفولي إلى الشارع وهو لم يبلغ حينها ربيعه الثامن، عندما قرر تسلق جدار المدرسة والهروب من الفصل الدراسي للحاق بأحد زملائه المدمنين على تعاطي المخدرات، الأمر الذي أفقده سنوات عديدة من طفولته وعرضه للضياع والتشرد وامتهان التسول من أجل اقتناء مادة “السيلسيون” واستجداء المطاعم للحصول على لقمة يسد بها جوع بطنه.
ظل مصطفى يعاني من وضعية التشرد وتعاطي المخدرات القوية لأزيد من ست عشرة سنة قبل أن تتلقفه إحدى الوحدات المتنقلة للإسعاف الاجتماعي بالدار البيضاء “ساموسوسيال”، وينتهي به المطاف في أحضان جمعية بيتي، حيث يواظب على الحضور كل ثلاثاء وخميس بالمركز النهاري لعين الشق للحصول على بعض الرعاية والاهتمام و”التفواج” والابتعاد عن “البلية”، حسب تعبيره.
وأبدى في حديثه لـ”الصحراء المغربية” رغبته الجامحة للإقلاع عن الإدمان والخروج من وضعية الشارع والاندماج داخل المجتمع لبدء حياة جديدة وتكوين أسرة وهو ما يسعى إليه من خلال مشاركته في الأنشطة التربوية التي تقدمها بيتي.
مصطفى واحد من الأطفال الذين يستفيدون من برنامج الخروج من الشارع الذي تعمل عليه جمعية بيتي ضمن مشاريعها المسطرة، حيث يعتبر الطفل في وضعية الشارع شريكا في تفعيل هذا المشروع، يقول جعفر الباز، المسؤول عن برنامج التكوين والإدماج المهني بالجمعية، مؤكدا على أن تدخل بيتي في هذا الشأن يعتمد على مقاربة حقوقية لمرافقة هؤلاء الأطفال في رحلة الخروج من وضعية التشرد من خلال تأهيلهم نفسيا ومساعدتهم على الاندماج الاجتماعي والمهني.
وأوضح الباز أن أولى الخطوات تبدأ بكسب ثقة الأطفال في وضعية الشارع حيث ينتقل المربون إلى الأماكن حيث يوجدون ويتبادلون معهم أطراف الحديث من أجل كسر حاجز الخوف والنفور واستمالتهم للتفاعل والمشاركة في الأنشطة الرياضية والخرجات، ومن ثم يتم استقطابهم إلى المركز النهاري للاستفادة من الورشات التربوية والتحسيسية والتكوينات في المهارات الحياتية.
وأضاف المسؤول التربوي في حديثه لـ”الصحراء المغربية” أن المربين يستمعون للفئات المستفيدة للوقوف على الأسباب الاجتماعية التي أدت بالطفل إلى الهروب من حضن الأسرة إلى الشارع ومعالجة الإدمان ومرافقته في تغيير واقعه من خلال التركيز على قدراته ومهاراته وتمكينه من الوسائل الكفيلة للوصول إلى مرحلة تقدير الذات والاستقلالية والدخول في علاقات اجتماعية مع أسرته ومحيطه.
عملية إدماج هؤلاء الأطفال من جديد داخل المجتمع لا يمكن تحقيقها دون المشاركة الفعلية للأسرة وتقبلها لفلذة كبدها، تشير خديجة خلف، منسقة برنامج الوقاية بمركز استقبال الأطفال في وضعية الشارع بعين الشق، مؤكدة على أهمية مواكبة الأسرة ودعمها لإعادة احتضان الطفل، باعتبار أن أغلب الحالات التي تعيش وضعية التشرد كانت نتيجة الهشاشة الوجدانية والنفسية والاجتماعية والتفكك الأسري والعنف بكل تلاوينه وغياب الاحتواء من قبل الوالدين مما يؤدي إلى الهدر المدرسي وتعاطي المخدرات للهروب من الواقع المعيش ومن ثم الوقوع في براثن التشرد.
وأبرزت خلف، في حديثها لـ”الصحراء المغربية”، أن جمعية بيتي إلى جانب شركائها ومتعاونيها تعمل جاهدة من أجل احتواء ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع حيث تتمكن من إعادة إدماج ما يقارب 120 طفلا سنويا، على الصعيد النفسي والاجتماعي والمهني والمدرسي والعائلي، كما تستقبل أزيد من 50 طفلا في وضعية خطر لمتابعة دراستهم في الأقسام المخصصة للتربية غير النظامية التي تهدف إلى الإدماج المدرسي والتأهيل المهني، ونجحت بيتي في تقديم خدماتها لأكثر من 200 ألف طفل في وضعية خطر منذ تأسيسها سنة 1995.
وفي الوقت الذي أبدت فخرها واعتزازها بالنماذج المشرفة التي تعاقبت على مراكز جمعية بيتي والتي استطاعت الخروج من نفق التشرد والضياع وحققت تغييرا جذريا في وضعيتها، أعربت عن أسفها لغياب سياسة عمومية مندمجة من أجل تعزيز عمل جمعيات المجتمع المدني التي تعنى بالأطفال في وضعية الشارع حتى يتمتع هؤلاء بكافة حقوقهم، إلى جانب غياب مؤسسات متخصصة في علاج الإدمان وعدم توفر مراكز للتكوين الملائم لهذه الشريحة، فضلا عن الخصاص الكبير في الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية والقادرة على احتواء هذه الفئة والاشتغال معها وفقا لبرامج عملية لتحقيق الاندماج الفعلي لها.

اسماء ازواوان 

تصوير: عيسى سوري