كشف المجلس الأعلى للحسابات أن الإدماج الاقتصادي للشباب يعاني من “محدودية استجابة عرض التكوين لحاجيات سوق الشغل من الكفاءات، سواء على مستوى الكم أو النوع”.
وسجل التقرير السنوي للمجلس سالف الذكر وجود “محدودية” في الجسور ما بين منظومتي التعليم العالي والتكوين المهني، وهو الحال لدى كل منظومة، بسبب غياب إطار قانوني يسمح بمأسسة مختلف هاته الجسور وضمان التكيف المستمر مع متطلبات سوق الشغل.
“الأنابيك” تفشل في الاستجابة للباحثين عن الشغل
وجاء في التقرير ذاته أنه “فيما يخص الوساطة في التشغيل، لم تتمكن الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات “الأنابيك” من الاستجابة بشكل فعال لمتطلبات مختلف فئات الباحثين عن العمل من أجل تسهيل إدماجهم في سوق الشغل”.
وعلى صعيد آخر، أورد المصدر ذاته أن “التدابير العمومية تتسم فيما يتعلق بالتشغيل، خاصة إدماج الشباب، بتعدد المتدخلين على مستويات مختلفة، دون تحديد دقيق وواضح للمسؤوليات والأدوار وللعلاقات التي تربط بينهم، مما يؤثر سلبا على التنسيق في هذا المجال”، مشيرا إلى أنه “إذا كانت الوزارة المكلفة بالتشغيل تتولى مسؤولية إعداد وتنفيذ السياسة العمومية في هذا المجال، فإن إحداث فرص الشغل يرتبط أساسا بمختلف الاستراتيجيات القطاعية؛ مما يقتضي تعزيز التنسيق فيما يخص بلورة الأهداف المتعلقة بالتشغيل ضمن هذه الاستراتيجيات وضمان تحقيقها”.
واعتبر مجلس العدوي أن “المنهجيات المتبعة في التخطيط لتدخلات الدولة في مجال إدماج الشباب لا تضمن توحيد الجهود المبذولة في هذا الشأن، من أجل تحقيق الاستجابة لخصوصيات التشغيل وبعده الأفقي، خاصة في ظل عدم اعتماد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل بين 2015 و2020، من لدن مختلف الأطراف المعنية”.
وعرف تصميم وتقييم المخطط الوطني للنهوض بالتشغيل “2021-2017” بعض أوجه القصور، وفق المصدر ذاته، والتي تتعلق أساسا بـ”احتساب مناصب الشغل من حيث الأهداف الكمية وتقييم النتائج، حيث اقتصر تحديد الهدف المرتبط بإحداث فرص الشغل على تجميع الأهداف المعلنة من قبل القطاعات الوزارية علما أن بعض الاستراتيجيات لم تحدد أهدافا من حيث عدد فرص الشغل المتوقع إحداثها، على سبيل المثال “الاستراتيجية الوطنية لتنمية التنافسية اللوجستيكية”. كما أن بعض القطاعات، ومنها قطاع الصيد البحري، لم يتم إدراجه ضمن هذا المخطط رغم أهميته في مجال التشغيل. كما لم يحدد المخطط أدوار ومسؤوليات الأطراف المعنية والموارد الواجب تعبئتها لتنفيذ التدابير المسطرة؛ ما نتج عنه محدودية انخراط باقي القطاعات الوزارية الأخرى في المخطط المذكور، مما أثر سلبا على تنفيذه لكونه يبقى رهينا بالتزام جميع الأطراف المعنية”.
التشكيك في أرقام وزارة السكوري
بالنسبة لإنجازات المخطط، عرج المصدر لأرقام الوزارة المكلفة بالتشغيل، التي بينت أنه قد تم “إحداث 736 ألف فرصة عمل من أصل 1,2 مليون منصب محتمل خلال الفترة بين 2021-2017″، موضحا بذلك أن “هذه النتائج تمثل عدد التصريحات الجديدة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ مما يعني أنها تشمل أيضا القطاعات التي لم يتم إدراجها في المخطط”.
وبخصوص منح التحفيزات المتعلقة بالاستثمار، رصد المجلس أن “التشغيل لم يؤخذ تلقائيا بعين الاعتبار ضمن حوافز الاستثمار المقدمة في إطار الصناديق الخاصة المحدثة لهذا الغرض، وكذا على مستوى مختلف الاستراتيجيات القطاعية. وفي الحالات التي تحدد فيها هذه الاستراتيجيات أهدافا متعلقة بالتشغيل يكون من الصعب تقييم النتائج، بفعل غياب آليات للقياس والتتبع”.
وفيما يتعلق بالنظام المعلوماتي الخاص بسوق الشغل، كشف المصدر ذاته أن “هذا الأمر يتسم بتعدد مصادر البيانات في غياب اتساق عام بينها، بسبب التأخر الملاحظ في وضع إطار واضح لحكامة النظام الإحصائي الوطني، وكذا ضعف تموقع المرصد الوطني للتشغيل وغياب مراصد جهوية للتشغيل، فضلا عن تباين المعايير المعتمدة ما بين المندوبية السامية للتخطيط والقطاعات الوزارية المعنية، لا سيما فيما يخص التصنيفات الإحصائية للأنشطة، والشهادات والمهن، بالإضافة إلى أن النظام المعلوماتي للتشغيل لا يغطي بشكل كامل جوانب أساسية في رصد سوق الشغل على غرار عرض الشغل والقطاع غير المهيكل”.
أما برامج النهوض بتشغيل الشباب، قال المجلس إنها “لم ترتكز غالبيتها على تحديد دقيق لمضامينها وأهدافها الكمية، خاصة على المدى المتوسط، من حيث الفئات المستهدفة والقطاعات المعنية والبعد الترابي. كما تبين أن بعض هذه البرامج تواجه صعوبات في تنفيذها، إضافة إلى غياب هيئة وطنية تسهر على قيادتها وتتبعها وتقييمها بشكل مستمر، من أجل ضمان التكامل فيما بينها ومواءمة التدابير المتخذة لمتطلبات سوق الشغل وخصائص الباحثين عن الشغل”.
وبالنسبة لتمويل التدابير المتعلقة بالنهوض بتشغيل الشباب، لوحظ أنها تفتقر إلى الانسجام على مستوى حكامتها، بين مختلف المتدخلين، وعلى وجه الخصوص، “صندوق النهوض بتشغيل الشباب”، الذي بلغ غلافه المالي خلال الفترة بين 2021-2014 ما يقارب 3,2 مليار درهم كاعتمادات الالتزام، على الرغم من عدم توفره على إطار فعال للحكامة والرصد والتقييم يمكن من تحديد البرامج التي يشملها التمويل وكذا شروط تنفيذها وآليات التتبع لضمان الاتساق والأثر المنشودين”.
مقاربة جديد للشباب العاطل
أوصى المجلس الوزارة المكلفة بالتشغيل، وبتنسيق مع باقي القطاعات المعنية، بضرورة “تعزيز دور هيئات حكامة سوق الشغل والتنسيق بينها مع ضمان الالتقائية على مستوى تدخلات الدولة في مجال تشغيل الشباب، مع اعتماد بعد التشغيل بالشكل الكافي وبالنوعية اللازمة في إطار الاستراتيجيات القطاعية والتحفيزات المتعلقة بالاستثمار المنصوص عليها في مختلف البرامج العمومية، إلى جانب وضع آليات للقياس والتتبع والتقييم”.
وشدد المجلس، في توصياته، على وضع رؤية مندمجة فيما يخص توجيه عرض التكوين نحو احتياجات سوق الشغل من الكفاءات وبضرورة وضع نظام معلوماتي لسوق الشغل من خلال اعتماد إطار قانوني خاص بالنظام الإحصائي الوطني وإعادة تموقع المرصد الوطني لسوق الشغل كهيكل مستقل مع تسريع إحداث المراصد الجهوية للشغل، وكذا ملاءمة التصنيفات الإحصائية للأنشطة والديبلومات والمهن.
وطالب المجلس العدوي أيضا بـ”تعزيز قيادة وفعالية برامج النهوض بتشغيل الشباب مع تحديد تعريف وتصنيف دقيقين للفئات المستهدفة من خلال مصطلح “الشباب”، مع “أهمية ضمان الاتقائية فيما يخص تدخلات الدولة في هذا المجال مع هيكلة وتخصص المواكبة المقاولاتية”، إلى جانب “إقرار مقاربة خاصة بالشباب الذين لا يتابعون دراستهم ولا يستفيدون من أي تكوين وليسوا في سوق الشغل، عبر وضع برامج إدماج خاصة بهم على الصعيدين الوطني والترابي وضمان تتبع هذه الفئة عن طريق إحصائها وتحديد خصائصها”.