Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

بوصوف يستعرض مكامن قوة اليمين المتطرف في حسم “تشريعيات فرنسا”

بوصوف يستعرض مكامن قوة اليمين المتطرف في حسم "تشريعيات فرنسا"

كشف الدكتور عبد الله بوصوف، خبير في العلوم الإنسانية، نقاط قوة اليمين المتطرف لاكتساح نتائج كل المعارك الانتخابية في المشهد السياسي الفرنسي، مؤكدا أن “الكل يعرف الخطر القاتل المتمثل في المد اليميني المتطرف لحسم مقاعد جديدة ومناصب قرار حساسة؛ نظرا لخلفيته الأيديولوجية والتاريخية والدينية، وقدرته على التغيير أو التشطيب أو التعديل، وإعلانه المتكرر عن ‘مانيفيستو’ عنصري وعرقي ديني”.

وأشار بوصوف، في مقال توصلت به جريدة النهار، معنون بـ “تشريعيات فرنسا 2024..هل هي بداية سقوط الجمهورية الخامسة..؟”، إلى أن “كلمة السر في نجاحات اليمين المتطرف في صناديق الاقتراع هي الناخب اليميني المتطرف، الذي يطلق عليه لقب ‘مناضل Militant ‘، وهو يتقاسم ويشارك في تسويق أفكار اليمين المتطرف، بل ويدافع عنها في الإعلام والمسيرات الاحتجاجية ومجالات الإبداع الفني والفكري، ويتوج هذا المسار الترافعي بالتصويت المنتظم في كل المحطات الانتخابية”.

وسجل الكاتب المغربي أن “الناخب يتعامل بمنطق النفعية والمصلحة الذاتية، بحيث قد ينتقل من التصويت لهذا الحزب أو ذاك فقط لأنه سيخصص امتيازات جديدة في سوق العمل أو الضرائب أو منح المساعدات الاجتماعية والثقافية؛ لذلك فهو يتعامل بمفهوم التصويت العقابي ويهاجر إلى حزب أو تحالف جديد وقد يهجر العملية برمتها في شكل عزوف انتخابي”.

نص المقال:

الكل يعرف “الخطر القاتل”، أي المد اليميني المتطرف وكسبه في كل معركة انتخابية مساحات جديدة ومقاعد جديدة ومناصب قرار جديدة.

الكل يعرف الخلفية الأيديولوجية والتاريخية والدينية لليمين المتطرف، وأفق قدرته على التغيير أو التشطيب أو التعديل، وإعلانه المتكرر عن “مانيفيستو” عنصري وعرقي وديني؛ والكل يقر بخطره على المجتمعات المتعددة الثقافات والديانات، والكل يعترف بقوة آلته الإعلامية وكيف يقوم بأكبر عملية غسل الدماغ لمجموعات كبيرة في الفترة نفسها!.

ومع كل هذا العلم المسبق بهذا الخطر الداهم للمجتمعات وللمجمعات الفكرية والإعلامية فإن اليمين المتطرف ينجح هنا ويكتسح هناك، وهو يتقدم دائما ولا أحد يقدر على فرملته رغم كل هذا العلم المسبق!.

فكيف ولماذا ومتى؟

يتكرر هذا المشهد السياسي في كل المحطات الانتخابية، سواء البلدية أو الجهوية أو البرلمانية أو الرئاسية.

وأصبح الجميع يعرف جيدا نقط البرامج الانتخابية لليمين المتطرف، وحتى نتائج استقراءات الرأي بخصوص نية التصويت تعلن تقدمه واكتساحه؛

فيما تتكلف آلته الإعلامية الرهيبة بتهييء الناخبين من الناحية النفسية بعد إقناعهم من طرف أقلام وكتاب ومؤثرين، وحتى من يعرفون بمدربي “الكوتشينغ الذاتي”…كل هؤلاء يتكلفون ليس في أيام الحملة الانتخابية، بل إن اليمين المتطرف هو في حملة طوال السنة، سواء كان في مراكز القرار أو خارجها.

لقد تعودوا على منهجية حكومات موازية أو “حكومات الظل”. وهنا نعود لطرح السؤال /الإشكالية، من أين لهم بكل هذه القوة وبكل هذه الثقة؟.

أعتقد أن أحد عناصر الجواب يكمن في الوعاء الانتخابي نفسه، لذلك فالتعليقات على نتائج الانتخابات تختلف بين تيار اليمين المتطرف والتيارات الأخرى التي تكتفي بإلقاء اللوم على “الناخب” أو ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي، وأن هذه النتائج هي عقاب انتخابي؛ في حين أن تعليقات اليمين المتطرف مهما كانت نتائجه ومرتبته فإن عناوين الإعلام تأتي قوية وصور الصفحات الأولى تعبر عن “الإنجاز الكبير” وتفتح طريق الأمل للمستقبل.

في مشهد يكاد يكون نسخة طبق الأصل في كل تجارب فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا وإسبانيا وهنغاريا…لا تقتصر الإجابة على حصرها في الحالة الصحية للوضعية الاقتصادية أو الاجتماعية في الزمن الانتخابي، بل هناك عناصر تاريخية وأيديولوجية أيضا؛ فبعد إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون عن انتخابات مبكرة مثلا فإن الحديث قفز إلى منطقة أخرى لها جذور تاريخية ترتبط بين مرحلة “الماريشال فيليب بيتان” و”الجنرال ديغول”، لذلك هناك من جعل من الصراع الانتخابي والسياسي الحالي بين ماكرون ولوبان حلقة جديدة للصراع بين أحفاد الماريشال بيتان والجنرال ديغول، بين حكومة فيشي وتسليم اليهود للنازي هتلر ومبادى الجمهورية الخامسة.

أعتقد – وهنا أحتفظ لنفسي بمساحة من الخطأ – أن “كلمة السر” في نجاحات اليمين المتطرف في صناديق الاقتراع هي الناخب اليميني المتطرف، الذي يطلق عليه لقب “مناضلMilitant ” ،وهو يتقاسم ويشارك في تسويق أفكار اليمين المتطرف، بل ويدافع عنها في الإعلام والمسيرات الاحتجاجية ومجالات الإبداع الفني والفكري، ويتوج هذا المسار الترافعي بالتصويت المنتظم في كل المحطات الانتخابية.

وهو هنا يرتفع قليلا عن لقب “ناخب”، الذي يتعامل بمنطق النفعية والمصلحة، إذ قد ينتقل من التصويت لهذا الحزب أو ذاك فقط لأنه سيخصص امتيازات جديدة في سوق العمل أو الضرائب أو منح المساعدات الاجتماعية والثقافية، لذلك فهو يتعامل بمفهوم التصويت العقابي ويهاجر إلى حزب أو تحالف جديد، وقد يهجر العملية برمتها في شكل عزوف انتخابي.

ففي فرنسا مثلا نجد اليسار يتحرك، سواء وسط اليسار أو اليسار الراديكالي، كما نجد حركات مدنية وسياسية يسارية تشتغل بقوة في شكل تحالفات من أجل الفوز، وفي المقابل نجد أيضا قوى تحالف اليمين واليمين المتطرف تشتغل أيضا وتتفق حول مراكز “المرشح المشترك”. كما نسجل تحركات فريق حزب ماكرون “النهضة” ودفعه “غابرييل أتال” للفوز برئاسة الحكومة كمرحلة تمهيدية لرئاسيات 2027 أمام بارديلا أو ماري لوبان.

لكن في ظل كل هذه التحركات والتغييرات والبرامج وتقديم وجوه جديدة وأخرى مألوفة، مع مواكبة إعلامية قوية تترصد وتتعقب خطوات وأنفاس كل المتحكمين في المشهد السياسي والإعلامي، نسجل هيمنة سرديات اليمين المتطرف من طرف إعلامه المتحكم في نسبة المشاهدة وأجندة مرور المرشحين في تلك القنوات. لذلك فإن الجميع ينتظر بكل هدوء سقوط الكارثة يوم 30 يونيو، بل إن هناك من يروج وبقوة تشبيه اللحظة التاريخية بفرنسا بمآل رئيس الوزراء البريطاني السابق “دافيد كامرون” بعد دعوته لاستفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي Brexit سنة 2016، وكيف غادر الساحة السياسية بعد تقديم اسنقالته؛ وهناك من يروج لحالة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.

وهي كلها سيناريوهات غالبا من إعلام اليمين واليمين المتطرف تمهد الطريق لقبول نتائج وتداعيات الخطر القاتل.

لذلك فالمعركة بين اليمين المتطرف وتيارات العيش المشترك هي معركة تاريخية بين الناخب و”المناضل”….!

Exit mobile version