في الوقت الذي تعرف المدن لحظة فراغها السنوية، تعيش قرى المملكة، خصوصا بالوسط والجنوب، دينامية قوية بعد أن باتت عطلة عيد الأضحى محطة سنوية تجذب جمعيات المجتمع المدني من أجل الانخراط في أنشطة ثقافية ورياضية، من بينها تنظيم دوريات في كرة القدم بشكل أصبح تقليدا موسميا لا محيد عنه.
وتتواصل فعاليات الدوريات الكروية الموسمية بعدد من هوامش المملكة خلال هذه الأيام التي تلي العيد، إذ عادة ما يتم إعطاء انطلاقة هذه الأنشطة يوم العيد لتتواصل على مدى أسبوع على أقل تقدير، مما يشكل فرصة سنوية للالتقاء بين المغتربين والمهاجرين الذين يقضون سنة كاملة في حضن المجال الحضري ويعودون إلى مسقط رأسهم كل عيد أضحى.
لم تكن هذه التظاهرات الكروية معروفة بقرى سوس ماسة وأحواز مراكش، على سبيل المثال، فيما مضى، بل ظهرت كبديل لجأت إليه الساكنة بعد أن بدا أن هناك عزوفا عن إقامة بعض الأنشطة الثقافية التقليدية، بما فيها “بيلماون” بالدرجة الأولى الذي تراجع ببعض المناطق.
وعادة ما يتم تنظيم “دوريات العيد” من قبل كل مدشر على حدة أو من قبل اتحادية دواوير تتكاثف لتنظيم تظاهرة موحدة تتوخى منها توطيد التنافس الشريف بين كل المشاركين، على أن يتم تتويج الفرق الفائزة في النهائية، قبل بداية العد التنازلي لعودة المسافرين إلى مقرات عملهم، وهو ما بات يشكل “فرصة رياضية وإنسانية سنوية”.
وعلى الرغم من “الدلالات الإيجابية” التي يدفع بها منظمو هذه التظاهرات الموسمية بتراب سوس ماسة والحوز، إلا أن شريحة واسعة تعارض هذه الدوريات الكروية، إذ ترى أنها “مضيعة للوقت وتلهي الشباب والمحليين عن الترافع عن قضايا المنطقة خلال الفرصة السنوية الوحيدة التي تُتاح لهم قبل المغادرة مجددا”، معتبرة أن “الكُرة والغبارَ ليسا أولوية، بل الأسبقية يجب أن تُمنح لفك التهميش والعزلة عن هذه المناطق”.
مناسبة لاستعادة الأنفاس
خالد قلوش، رئيس “جمعية أمود للرياضة والثقافة والخدمات” بدوار أكرسيف بعمالة تحناوت، قال إن “المجال القروي معروف بتأثره خلال السنوات الأخيرة بالهجرة، حيث يظل العيد مناسبة لتلاقي جميع المهاجرين، وهو ما يعطينا فرصة كجمعيات للمجتمع المدني لإبداع تظاهرات فنية ورياضية تخلق الفرجة خلال أيام العيد وتريح المشاركين من عناء العمل السنوي وتحديات الهجرة والبعد عن تراب “تمازيرت”.
وأضاف قلوش، مُصرّحاً لجريدة النهار، أن “هذه السنة هي المرة الأولى التي ننظم فيها دوريا لكرة القدم، حيث لم نكن ننظم فيما سبق، لكن ارتأينا هذه السنة تنظيمه بشكل استثنائي على أن نضمن استمراريته خلال السنوات المقبلة، إذ نتحدث عن 20 فريقا تقريبا، كل فريق يضم 14 لاعبا كحد أقصى”، موردا أن “هناك قوانين وإجراءات مضبوطة وضعتها اللجنة المنظمة لضمان سير هذه التظاهرة على أحسن ما يرام”.
وبيّن المتحدث أن “المشاركين يتوزعون ما بين 17 سنة كأدنى سن وما بين 40 و45 سنة، وليس هناك إقصاء لأي أحد، بل نعمل على دمج الكل في إطار هذه التظاهرة حتى تحقق هدفها المتمثل في إشاعة روح التنافس الشريف وخلق الفرجة للساكنة التي ما تزال مذهولة من حجم كارثة الزلزال التي ضربت الدوار”، مشيرا إلى “أبعاد هذه التظاهرة الاجتماعية والإنسانية”.
دلالات اجتماعية وإنسانية
من جانبه، أفاد سعيد الكيحل، رئيس “جمعية دوار تحشمومت بجماعة إداوكماض بإقليم تارودانت”، بأن “الجمعية ارتأت هذه السنة مجددا تنظيم دوري العيد من أجل خلق متنفس سواء للقاطنين الدائمين بالدوار أو المهاجرين العائدين، للابتعاد ولو لأسبوع عن روتين الحياة وهموم العمل، فنحن اليوم نعيش النسخة الثانية من هذه التظاهرة”.
وكشف الكيحل، في تصريح لجريدة النهار، أن “التظاهرة ذات جوانب اجتماعية وتمكن من خلق علاقات إنسانية مع أبناء الدواوير القريبة الذين يأتون للمشاركة في هذا الدوري، وقد قمنا بتكوين 4 فرق، كل فريق مكون من 9 أفراد، على أن يستمر الحدث لمدة خمسة أيام، في وقت نحاول دائما البحث عن تمويلات من لدن ممولين خواص، بينما نطبق مساهمات رمزية على المشاركين، لا تتجاوز 50 درهما لكل فرد، ولمن يرغب بالمساهمة بأكثر من هذا الرقم، فله ذلك”.
ولفت الجمعوي ذاته إلى أن “النساء بدورهن صرن يشاهدن هذه المباريات للتنفيس عن أنفسهن قليلا”، نافيا أن تكون مثل هذه التظاهرات “مضيَعَةً للوقت وحاجبة للترافع عن قضايا المنطقة”، فبحسبه، “لا يمكن حصر الدفاع عن هموم الدوار في أسبوع في السنة، بل إن الصحيح هو الاشتغال طيلة السنة لجلب عدد من المصالح”.
تقويةٌ للعلاقات
نبقى دائما في تراب إقليم تارودانت حيث سجل محمد اليعقوبي، رئيس “جمعية إزمران للتنمية المحلية للتنمية والتعاون” بجماعة تافنكولت، “الحرص لمدة ست سنوات على تنظيم الدوري الكروي خلال الأسبوع الأول الذي يلي عيد الأضحى، بما يخلقه من دينامية على مستوى المنطقة، حيث نقوم إلى جانب جمعيات أخرى تمثل الدواوير القريبة منا بتنظيم هذا الحدث بشكل جماعي يجمع الساكنة في مكان واحد”.
وذكر اليعقوبي، مُصرّحاً لجريدة النهار، أن “كل فريق يضم 12 فردا يمثلون دُوّارا معينا، على أن يقوموا بتأدية 700 درهم كمساهمة للمشاركة ضمن هذا الحدث الذي التجأنا إلى تنظيمه بعد تراجع الاهتمام بأنشطة ثقافية أخرى كانت سائدة فيما قبل، بما فيها “يلماون”، مشيرا إلى أن “دوري هذه السنة سيحمل اسم فاعل جمعوي بالمنطقة توفي قبل فترة قليلة تكريما له على خدماته الجليلة”.
وزاد المتحدث ذاته: “قبل هذه المناسبة الرياضية لم نكن نعرف بعضنا بعضا في هذه القرى المتجاورة، بينما اليوم صرنا نتعارف جيدا فيما بيننا وخلقنا علاقات قوية تتقوى بالصبغة الدينية والمجتمعية لعيد الأضحى”، مؤكدا “عدم وجود شجار أو صراع بين المشاركين الذين يمثلون في الأصل مناطق لا تزال إلى يومنا هذا تعاني من آثار زلزال ثامن شتنبر الماضي”.
