Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

وثيقة مكة تدعو إلى الحد من الكراهية

وثيقة مكة تدعو إلى الحد من الكراهية

في يوليوز 2021 أعلنت العامة للأمم المتحدة عن اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية، واعتمدت قرارا بشأن مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية، ودعت الحكومات ومنظمات المجتمع المدني إلى زيادة جهودها للتصدي لهذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، والاحتفال بهذا اليوم العالمي يوم 18 يونيو من كل سنة. لقد وضعت الأمم المتحدة إستراتيجية وخطة عمل لمكافحة خطاب الكراهية بشكل شامل وفي ظل الاحترام الكامل لحرية الرأي والتعبير، مع العمل بالتعاون مع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي.

إن الحد من الكراهية ومحاربتها بأساليب علمية وحضارية كان ومازال محط عناية واهتمام من طرف المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وقد صدرت بشأنه عدد من الوثائق المرجعية، نذكر منها العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، ومدونة ﺳﻠﻮﻙ الاتحاد الأوربى لمكافحة خطاب ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ غير القانوني ﻋﻠﻰ الأنترنيت، والميثاق الإفريقى لحقوق الإنسان والشعوب، والميثاق العربى لحقوق الإنسان، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مناهضة تشويه صورة الأديان، وخطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية، ووثيقة الأخوة الإنسانية، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن اعتماد (اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام)، وإعلان القيم الإنسانية المشتركة الصادر عن “ملتقى القيم المشتركة بين أتباع الأديان”.

ومن ضمن هذه الوثائق بالغة الأهمية وثيقة مكة المكرمة، التي اعتمدها 1200 عالم ومفكر من مختلف المذاهب والطوائف، في ختام أعمال المؤتمر الإسلامي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في نهاية شهر مايو من عام 2019. وتمتاز هذه الوثيقة عن سواها بكونها وثيقة علمية رفيعة المستوى، صادرة عن أهل الاختصاص والحكماء في مجالات معرفية مختلفة من العالم الإسلامي؛ وليست توصيات عادية أو انطباعات ظرفية أو تأويلات لجماعات ضالة إقصائية ومتطرفة.

كما تمثل وثيقة مكة المكرمة قيمة مضافة متميزة عما سبقها من الإعلانات والبيانات ذات الصلة بقضايا الحوار والتعايش بين أتباع الأديان واحترام التنوع الثقافي والديني وحقوق الإنسان. لقد صدرت هذه الوثيقة في توقيت مهم جدا يكتسي أهمية بالغة ورمزية فائقة الدلالة على المستوى الإسلامي والدولي، حيث استفحل انتشار خطاب الكراهية مع اكتساح الأحزاب اليمينية المتطرفة للساحة السياسية في كثير من المجتمعات الغربية.

وكان من بين أسباب صدور هذه الوثيقة الوعي بضرورة التحرك الحضاري والعمل الإستراتيجي للحد من الانتشار المتزايد والمخيف لخطاب الكراهية والتمييز العنصري ضد المسلمين والإساءة إلى مقدساتهم، واتهام دينهم بالتطرف والعنف والإرهاب والانعزال، في خرق سافر للقرارات والإعلانات الدولية الداعية إلى تعزيز الحواربين الحضارات والثقافات والتعايش بين أتباع الأديان. ولذلك فإن المبادرات التي وردت في وثيقة مكـة المكرمة تمثل مشروعات حضارية ذات أبعاد إنسانية قابلة للتنـفيذ، باعتبارها تقدم للعالم رؤية إسلامية جديدة، قائمة على الانفتاح على متغيرات العصر، وللإسهام في معالجة القضايا الإنسانية التي تستقطب اهتمامات الأسرة الدولية.

لقد اهتمت وثيقة مكة المكرمة اهتماما كبيرا بموضوع الكراهية، إما تلميحا أو تصريحا، إذ أكدت في ديباجتها أن إصدارها تأكيد أن المسلمين جزء من هذا العالم، يسعون إلى بناء جسور المحبة والوئام الإنساني والتصدي لممارسات الظلم والصدام الحضاري وسلبيات الكراهية. كما أن الوثيقة رفضت مسببات الكراهية، مثل عبارات وشعارات العنصرية، وأكدت أن الحوار الحضاري هو أفضل السبل إلى التفاهم السوي مع الآخر، وأن الأحكام المسبقة المحملة بعداوات التاريخ ساهمت في نشر الكراهية؛ ودعت إلى سن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري، كما أكدت أن الصراع والصدام يعمل على تجذير الكراهية واستنبات العداء بين الأمم والشعوب.

من جهة أخرى من المهم الإشارة إلى الاهتمام الذي توليه رابطة العالم الإسلامي وأمينها العام الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى لموضوع مكافحة الكراهية والحد من خطرها على السلم والأمن العالميين، وتأثيراتها السلبية على الجهود الدولية الهادفة إلى تعزيز الحوار بين الثقافات، وترسيخ التحالف بين الحضارات، وتأمين التعايش بين أتباع الأديان، ونشر قيم التسامح والوئام والعيش المشترك بين الشعوب. ومن أمثلة ذلك قيام رابطة العالم الإسلامي عام 2021 بإطلاق حملة دولية للمطالبة بحظر مروّجي التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) والمحتوى المسيء للإسلام عبر منصات التواصل الاجتماعي تحت شعار Reject Hate لمناشدة الجميع عدم التسامح مطلقا مع خطاب الكراهية الذي يستهدف المسلمين، وكذلك أتباع مختلف الأديان.

كما وقعت رابطة العالم الإسلامي اتفاقية شراكة وإطلاق “المعمل الدولي للأديان” مع جامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في نونبر من عام 2022. ويهدف هذا “المعمل الدولي للأديان” إلى بناء القدرات المضادة لمفاهيم الكراهية والعنف والصدام الحضاري، وتطوير برامج تدريبية موثوقة للمعلمين لردع مخاطر التطرف، وتعزيز عوامل الحماية ضد الأشكال العالمية من الكراهية والعنف التمييزي، وتعزيز الجهود المشتركة، ودعم المبادرات والبحوث الهادفة إلى تحسين التعايش والتعاون في صُنع عالمٍ أكثر سلاماً وتعاوناً.

باحث في علوم الاتصال والحوار الحضاري

Exit mobile version