Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و”الهدر” يلازم التقارير

أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و"الهدر" يلازم التقارير

في سياقِ مناقشة دورِ القراءة في بناء الفكر النقدي استحضر المفكر والأكاديمي المغربي محمد نور الدين أفاية “الوضع النفسي العام للمجتمع المغربي”، قائلا: “قد تقولون إن هذا موضوع شكلي، وهو ليس نهائيا كذلك، بل هو موضوع رئيسي. والقراءة يشجع عليها علماء نفس كنوع من العلاج، بالخصوص بعد ‘كورونا’. ويعتبر متخصصون أن 48 في المائة من المغاربة يعانون من اكتئاب نفسي؛ فهل نملك الجاهزية النفسية لتقبل النقد؟ وهل نحوز ما يلزم من سعة الصدر لكي نخاطب بالفعل بعضنا بلغة نقدية؟ ونحاكم السياسات بطرق نقدية؟ ونناقش الأفكار بطرق نقدية؟ ونحادث بعضنا بطرق نقدية؟”.

جاء هذا ضمن الدورة الثالثة من ملتقى شغف القراءة، المنظَّمة الثلاثاء بكلية علوم التربية بالرباط،

بشعار “دور القراءة في إحياء الوعي النقدي”، من طرف مؤسسة الفقيه التطواني، وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وتعاون مع المشروع الوطني للقراءة.

وعرّف أفاية النقد بكونه غير منفصل عن فعل التفكير، الذي يجري بالاعتماد على النفس، وهو “مسؤولية، وجهد يبدأ بالقراءة، وأدوات أخرى تتعلق ببحوث الآخرين”، ثم أضاف:

“النقد من جهة ثانية يتطلب مناخا من الحرية، والحال أنه غير متجذر في ثقافتنا السائدة، بعيدا عن بؤر هامشية هنا وهناك، فثقافتنا ثقافةُ أجوبة لا ثقافة أسئلة، وليست ثقافة نقدية، في بيوتنا وجامعاتنا ومؤسساتنا، مع استثناء حالات تحرص على أن تكون للتفكير والتشجيع والتحفيز عليه وعلى النقد أدوار أساسية”.

وتابع الأكاديمي ذاته: “في كثير من الأحيان يتحول النقد إلى طعن، ويفهم طعنا في الشخص، وقد يفهم عداء وتشهيرا. وبالمغرب مفكرون كبار لا يعترفون ببعضهم، فعبد الله العروي مثلا لا يحيل على أحد، ومحمد عابد الجابري ناقش العروي من منظور آخر ثم نساه”، واستثنى نماذج مثل عبد الكبير الخطيبي، قبل أن يستمر في بسط فكرته: “لا نجد رغم الخلافات أن هناك نقاشا نظريا معرفيا يقدم حجة أمام حجة مخالفة، لتطوير المعرفة؛ علما أن من يكتب ينبغي تشجيعه ولو كانت لنا ملاحظات نقدية، واجبة، لأن الكتابة قرار وجودي كبير جدا”.

وواصل المفكر المغربي: “قد يكون النقد مجرد رأي نعبر عنه ويحتاج أريحية في الاستماع، للتقويم، اعتمادا على براهين ومستندات ملموسة، لكنْ نخاف من النقد، مثلما نخاف من الحرية، فالحرية مسؤولية كبيرة، قد تُعطانا ولا نعرف كيف نتصرف فيها. تعودنا على الإطراء والمديح والمجاملة وقول نعم، وفي غالب الأحيان لا نضطر إلى أن نُسائِل أنفسنا”.

وإلى جانب أسئلة الفيلسوف الألماني كانط: ماذا يمكن أن أعرف؟ ماذا علي أن أفعل؟ ما هو مسموح لي أن آمله؟ ما الإنسان؟ أضاف الفيلسوف المغربي أفاية سؤال: كيف نحيا؟ بوصفه سؤالا، مثل سابقيه، لا يمكن تجنبه؛ “لمنح معنى ما لفكرنا وحياتنا”.

وحول أسئلة القراءة والتعليم ذكر المتحدث أنه دون جوابِ سؤال: “أي إنسان ومواطن نريد تكوينه؟” “سنبقى نتخبط”، ثم زاد موضحا: “يوجد تضخم خطابيّ وَعْظِيّ غالبا حول أهمية القراءة في التكوين، مع نقص حاد مأساوي في اكتساب اللغات واستعمالها، سواء في القراءة أو التواصل (…) ووُجِد تخبط سياسي كبير في تنزيل الرؤية الإستراتيجية للتعليم، مع إفراغها من أهدافها، المتمثلة في تحقيق مدرسة الجودة للجميع والارتقاء بالفرد والمجتمع؛ وهو ما يضاف إلى ترجمة غير دقيقة، بل يمكن أن تكون محرّفة، لرافعات وردت في النموذج التنموي الجديد (…) بخصوص تعليم المدرسة القراءة والتربية الفنية لشحذ الذات”.

وأضاف صاحب كتاب “النهضة المعلقة” هذا إلى “ما نعانيه من أشكال مختلفة من الهدر والنسيان”؛ من بينها “تقرير الخمسينية” و”الثروة الإجمالية” و”النموذج التنموي الجديد”، قائلا: “لا نعمل في آخر المطاف على التطبيق، ونعيد التفكير كل خمس سنوات. وفرصة إصلاح التعليم في ‘الرؤية الاستراتيجية’، وأتحدث هنا من داخلها، كانت تاريخية، لكن السياسة لعبت دورا كبيرا في التشويش على هذا الأمر؛ وهذه عاهة، لأنه قد نفهم التناوب على القرار في قطاعات بعينها، لكن من الصعب إخضاع منظومة التعليم لاعتبارات وتوازنات حزبية، تتغير من حكومة إلى أخرى، وكل وزير يأتي بتصوره وترسانته لإلغاء ما أقره سابقه”.

وجدّد أفاية انتقاد “الهدر” الذي يواجه “التضخّم الذي لدى المغرب في التقارير، والكتب، والتوصيات، وما يعد ولا يحصى من الاقتراحات، إلى درجة التخمة والضجر”.

وحول تحولات القراءة، وقضايا البلاد والعصر، تساءل المفكر ذاته: “هل ضمن الضجيج المحيط بنا مازلنا نمتلك مقومات إدراك ما يحيط بنا، عبر النوافذ الخمس للجسم على العالم، أي الحواس، وللتفريق بين الواقعي والافتراضي؟ وفي اقتصاد الانتباه هل طلبتنا، وتلاميذنا، ونحن… هل مازلنا نحوز ما يلزم من مقومات الانتباه في ظل نسيان أرقام هاتفنا، وأسماء العزيزين علينا، والإدمان الشديد حد تحويلنا إلى عبيد بأشكال أخرى من الاستيلاب، تشوّش على قدرات العقل، سواء كنا نقرأ أو لا نقرأ؟”.

ومن القضايا المؤثرة في علاقة الإنسان بالمعلومات والمعارف قضية مرتبطة بالدولة؛ أي “بأية دولة؟”؛ لأنه يوجد، حسب المتحدث، “خطاب رسمي حول ‘الملكية المواطِنة’ وهذا شيء جميل بَنّاء؛ لكن كيف نتحرر بالتدريج من التسلطية؟ وندبر التبادل والمشاركة؟”، علما أنه توجد “مبادرات (رسمية، موجودة) رائعة للتشجيع على القراءة”.

وأثار أفاية “مسألة الفوارق المجتمعية”؛ لأن الباحثين “لا يملكون في الواقع صورة عن المقروئية في المغرب، ونتوصل بتقارير سنوية لمؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء عن القراءة والنشر، لكن لا نملك اليوم دراسة حقيقية سوسيولوجية عن القراءة بالمغرب”، وزاد: “أميل إلى أن المدن المتوسطة والصغيرة تقرأ أكثر من المدن الكبرى، لكن نحتاج بحثا حقيقيا عن القراءة بالمغرب. وتفاجأت بأن معرضا دوليا للكتاب جرى بالمغرب، وهو حدث كبير، لم يتمخض عنه أي عمل بحثي عن الكتب التي تقرأ، وما الفئات الزائرة، ومن أين جاءت إليه؟”.

ودافع محمد نور الدين أفاية عن أن “القراءة ليست مجرد وسيلة، بل من الرافعات الكبرى للوجود بالنسبة للإنسان، ليجد أجوبة عن قلقه الوجودي، في طريقة تفكيره وإضاءة بعد تفاصيل حياته”، ثم نبّه إلى آراء تقول إن النقد تسمية زائدة؛ فهو مرتبط بكل خطاب فكري، أي كل “تفكير يَقِظ”.

واسترسل الأكاديمي ذاته: “النقد هو مساءلة البداهات، أو ما يبدو كذلك، وخلخلة أطر التفكير التي تستهدف تعليب العقول، واستيلاب الإرادات، والتشويش على الحرية، وإلهاء الإنسان بمظاهر الأمور، وإغراءات الاستهلاك، ومقاومة الخضوع لما يستفز الإدراك والانفعال. الوعي النقدي يمكن اكتسابه دائما، ويمكن للجيل الجديد اكتسابه بالقراءة وبغيرها.

وللمرأة في المجتمع دور كبير في القراءة، كما أن المجتمعات القارئة هي التي تقرأ فيها المرأة، مثل الدنمارك وألمانيا، حيث نجد أن القارئة هي الأولى في طليعة المزدحمِين لشراء الكتاب أكثر من الرجال. وإذا أردنا حقيقة توسيع دائرة القراءة علينا بالضرورة تعليم البنات وتشجيع النساء والبنات على القراءة أكثر؛ فالأبناء عندما يفتحون أعينهم على الأم وهي فاتحة كتابا سيشدّ ذلك انتباههم بالضرورة”.

Exit mobile version