Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

حضور الكاتب السعودي أسامة المسلم في معرض الرباط .. ثورة قراءة أم أزمة كتابة؟

حضور الكاتب السعودي أسامة المسلم في معرض الرباط .. ثورة قراءة أم أزمة كتابة؟

اتصل بي صديق على قدر كبير من المعرفة والتجربة والمتابعة، وقال: هل رأيت ما حصل؟ وعلام يدل هذا؟ وهل صرنا متجاوزين ولا نعلم ما الذي يحدث في عالم القراءة والكتابة؟

وهكذا وجدتني محاصرا بأسئلته، ومحرجا أمام جرس إنذارها.. غير راض بتخلفي عن جواب لها… وجدتني أيضا عالقا بين النظر إلى الواقعة باستعلاء التحليل الفلسفي الجدلي الذي يقرأ الظواهر في كليتها وتاريخيتها.. أم الإقرار بالتخلف عن الركب، والتشبث بترفع الأجيالية بكل كسلها وحقدها وعقدها النفسية…

ثم ما معنى التجاوز.. هل نحن في سباق؟ وليكن سباقا، فمع من نتسابق؟ مع الكاتب أم مع السياق، أم مع الظواهر؟ في زمن ملايين الصفحات وملايين المعلومات والأخبار… وملايين المتكلمين والفضوليين والمؤثرين.. إنك لو اطلعت على جزء صغير مما يتابعه سكان الشقة المجاورة لك لأدركت مجهريتك في الواقع الجديد، ولبدوت كأنك على حافة العدم.

زار كاتب سعودي شاب المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب، فأحدث حضوره لحظة جماهيرية فريدة، الكاتب المبتسم الذي يكتب أعمالا “أدبية عجائبية خيالية”، ويقرأ له الكثير من الشباب عبر العالم العربي، توافد إلى نشاطه آلاف الزوار والزائرات، وتسبب في نوبات إغماء، إذ كانت مئات القارئات “المعجبات” يتدافعن للحصول على توقيعه أو التقاط صورة معه.. بينما في ركن بعيد، وقف كاتب عربي يراقب ما يحدث في تركيز شديد ولا أعلم فيم كان يفكر؟

قطاع عريض من صحافة الوقت وافقت الواقعة فلسفته المهنية، فولد من الحدث أخبارا وأشياء عن الزوار وعن الكاتب، ما كانت أبدا في الحسبان.. كتاب كبار تجاهلوا الأمر، عن عمد، غيرة وغلا واستخفافا، كتاب آخرون لم يعلموا أساسا بالحدث، قلة قليلة نظرت إلى الأمر باهتمام وفكرت في قراءته، وقلة أخرى اعتبرت الأمر صحيا وأن القراءة والمتابعة بخير..

لا أريد الخوض في علل هذا “النجاح” ولا النبش في طريقة الكاتب “المسلم” -ويمكن التوقف طويلا عند هذه التسمية “المسلم”- في الترويج لمنتجاته، كما يمكن التوقف أيضا عند عمر الكاتب مقارنة بعدد أعماله وهي لعبة أثيرة عند خبثاء الشأن الثقافي، حيث يتفوق أسامة المسلم على تولستوي وماركيز وجبرا إبراهيم جبرا والكوني وفولكنر!!!! ولكنني أعلم أن التاريخ له فعله وقوله، وبعد أيام وشهور وسنوات وعقود على هذا الكاتب أن يبقى، لأنه وبغض النظر إلى أن كل القراء/ الكتاب سيراقبونه الآن وسيترصدونه، راجين من “العلي القدير” أن يأفل نجمه ويثبت عجزه، ويتلاشى مع رياح الأذواق والاستيهامات.. فإن عليه أن يكون مسلحا بما يجعله يقاوم المحن المؤدية إلى الخلود لكي يبقى، أو ستمتصه إسفنجة النسيان كما حدث للأولين من قبله…

ورغم أن ما نملكه من أدوات للتحليل -وهو بمثابة سقط متاع أسلافنا من فلاسفة وعلماء اجتماع وعلماء نفس- حاول أن يجعل ضمن حساباته الطلائعية التقدمية خيال وأحلام بكل جموحها وانتصارها للمستقبل، فإن أي تحليل لما وقع ستنقصه مفاجآت الافتراضي وحيل الخوارزميات، بكل عبثيتها “المقصودة”.. وربما تصير عبارة (التحليل الملموس للواقع الملموس) نكتة سخيفة.

نعم.. يحدث ذلك في المغرب رغم أن المراصد والمؤشرات والمندوبيات تخبرنا بأننا ننتمي إلى جزء من العالم لا يقرأ سوى دقيقتين في السنة.. في زمن تغلق فيه المكتبات العريقة ويشتكي فيه الناشرون المكرسون.. بينما اهلكتنا أزمة القراءة دراسة وبحثا ومحاضرات.. وقد رفض ذات سنة القاص المغربي الكبير الأستاذ أحمد بوزفور جائزة المغرب للكتاب، بسبب بيعه ما لا يتجاوز خمسمائة نسخة من كتابه المتوج.. في بلد يتجاوز فيه عدد المتعلمين 15 مليون شخص، وهذا يلخص حال القراءة والكتاب عندنا علميا وإحصائيا..

أما الكتابة وهي أصل كل شيء (ففي البدء كانت الكلمة) فهي ليست معنية بالإغماءات أو المبيعات أو وسامة الكاتب أو جنسيته؛ إن الكتابة غايتها الروح وما نملكه من إنسانية معطوبة، مثخنة بالندوب.. إن هدف الكتابة هو ذلك المتعب اليائس فينا، الكسيح أمام البلاغة، أسير التأويل.. عبد اللغة وأحابيلها.. هذا هو ما يخلد وهو سر الأزلية منذ هوميروس إلى ماركيز.

إن الكتابة مكتفية بذاتها أو ذواتها، منكمشة على كنوزها متمنعة على الطارئين، كريمة مع حوارييها وخدامها، ولا مفهوم للجماهيرية في قاموسها، متعرشة في أسرارها وغيبها.. ولا يلج سدرتها إلا الأنبياء.

هل هذا يعني أن المحافظين “الغيورين” على صواب؟ حتما يحتاج الحكم إلى التاريخ.. لكن الجمال، وهو الغائب الأكبر في هذه المعادلة، يبقى الملجأ الوحيد الذي يمكن لنا أن نحقق الحد الأدنى من الاتفاق حوله، فهل ما يكتبه أسامة المسلم جميل؟ وهل أعماله الكثيرة ستخلد؟

Exit mobile version