Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

معرض الكتاب يحتفي باقتحام مليكة العاصمي “قلعة الذكورية” في الأدب والسياسة

معرض الكتاب يحتفي باقتحام مليكة العاصمي "قلعة الذكورية" في الأدب والسياسة

كانت الشاعرة والكاتبة والمناضلة السياسية مليكة العاصمي ضيفة “مسارات” اليوم السابع من الدورة الـ29 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، بحيث حاولت “الأمسية التتويجية” أن تحتفي بمسار “يعدّ جزءاً لا يتجزأ من المشهد الأدبي، بحكم الجرأة التي تميزت بها أعمالها المتسمة بأسلوب شعري مؤثر”.

وبعدما “ادّخر” مسير الأمسية الإعلامي والكاتب ياسين عدنان إلى نهاية تقديم المُتدخّليْن صلاح بوسريف وعبد الجليل الكريفة كلمتيهما، تناولت العاصمي الكلمة لتقول إن تجربتها انطلقت من “موقفين لم تزغ عنهما حتى اليوم وحتى الغد”، ذاكرة الموقف النضالي والموقف الثقافي والفكري.

بخصوص الموقف النضالي، شددت المُتوّجة التي تكلفت لطيفة مفتقر، مديرة الكتاب والخزانات والمحفورات بتسليمها “درع الاعتراف”، على أنها وفية لبيتٍ مجاهدٍ وليس مناضل فحسب”، قبل أن تمر نحو “الموقف الفكري الثقافي”، الذي يتجسد أيضاً في البيت نفسه الذي يتوفر على مكتبة وعلى زاد أساسي غذى تفاعل العاصمي داخله بمعارفه ومكوناته المختلفة.

وقالت المتحدثة إن هذا البيت منحها “مساحة واسعة من الحركة والمعرفة والإدراك والمتابعة في مستويات فكرية أساسا ميدانية، إبداعية وغيرها”، مضيفة: “اكتشفت في أواخر الخمسينات أن الساحة فارغة، وكان ضروريا أن أملأها بأشكال وأفكار وأعمال وإنجازات”، وزادت أن مجموعة الكتب الآن هي أكثر من عشرين كتابا، حوالي 25، منها موسوعات.

وتابعت العاصمي: “هذه الكتب، التي أصدرتها والأبحاث التي نشرتها والمقالات والمداخلات وكذا الأفكار والنظريات التي طرحتها، كلها كانت مُؤسِّسة لكتابات ودراسات وظواهر وتيارات، والأهم أنها منتجة لأجيال. هذا شيء أساسي. وهذا الإنجاز يكفي الإنسان أن يخرج به من الحياة. وهذا ما يمكن أن أعتبره أهم إنجازاتي”.

وأجملت “الشخصية المحوريّة” في اللقاء قائلة: “أعتبر أن أهم ما أعتز به وأنتظر أن يكون ولودا ومتناسلا مستمرا لا ينقطع هو حملكم للمشعل”، متوجهة بالخطاب إلى الشباب الحاضرين بالتأكيد على أنهم “مستقبل البلد”، قبل أن تضيف: “أنا أخص بالذكر هؤلاء الشباب الذين واللواتي أراهم أمامي. أنتم كلماتنا الآتية ومستقبلنا وإنجازاتنا القادمة. عندما تتناسل أعمالنا وأفكارنا ومطامحنا فيكم، فآنذاك نشعر بأننا خرجنا من هذه الحياة راضين بإطلاق”.

امرأة تهدّ الذكورة

صلاح بوسريف، الشاعر والناقد المغربي، اعتبر أن التوقف عند اسم مليكة العاصمي “ضروري ومفصلي”، لنحاول على الأقل أن نعرف من تكون هذه المرأة، وما الذي فعلته، وما الذي قدمته لنا نحن الذين جئنا بعدها، لأن الجيل الذي تنتمي إليه والجيل الذي قبلها جيلان ساهما في فتح طريق المعرفة وطريق الإبداع والشعر”.

وفي شهادته في حقها، قال بوسريف إن “هذه المرأة وجدت في مرحلة صعبة جدا. مرحلة كانت ذكورية بامتياز، يصعب على المرأة أن تظهر فيها أو تفرض وجودها، سواء في السياق الاجتماعي المغربي الذي يغلب عليه النسق التقليدي والمحافظ أو في سياق المجتمع الثقافي بصورة عامة، الذي كان فيه الرجل هو الحاضر بصورة كاشفة”.

وسجل الناقد أن العاصمي كانت أقدر على “هدّ” يقينيات الذكورية واطمئنانها للوضع السائد، موردا أن الرجل كان هو الذي يقرر ويكتب ويوجه ويؤطر، ليس على المستوى الثقافي فقط بل حتى على المستوى السياسي، مبرزا أنها تمكنت من اختراق هذا المجال، باختيارها الانتماء إلى حزب الاستقلال.

وتابع شارحا: “في الحقيقة، هي لم تكن فقط تنتمي إلى هذا الحزب، بل كانت تنتمي إلى النضال في هذه المرحلة، رغم أن هذه المرحلة السياسية كانت قاسية جدا، وكانت مرحلة شرسة فيها تدافعات كبيرة كانت تفضي بعض الأحيان إلى القتل والموت، وإلى السجن، بيد أنها اختارت أن تكون في واجهة المشهد السياسي”.

ولفت المتحدث أيضا إلى “اختراقها الشق الثقافي بتكوينها جمعية، وإصدار مجلة، وأن تكون في النهاية شاعرة”، موضحا: “ربما، يتساءل البعض لماذا اختارت أن تكون شاعرة؟ ففي هذه الفترة التي ظهرت فيها العاصمي كان الشعر ليس على المستوى المغربي بل على مستوى العالم العربي والعالم بكامله، هو الخطاب الأكثر قدرة على تمثل جميع المشكلات التي كانت تحدث في هذه المجتمعات”.

وذكر في السياق ذاته أن “الشعر كان له حضور قوي رغم أنه كان مؤطرا سياسيا وإيديولوجيا بطبيعة الانتماءات للأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجهة أو تلك”، مؤكدا أن “العاصمي وقفت نقيضا للأيديولوجيا، وظلت واقفة في ما يسميه الصوفية بمنطقة البرزخ، فهي هنا وهناك في الوقت نفسه كمن يحاول أن يضبط الميزان حتى لا يختل”.

وقال الأكاديمي ذاته إن العاصمي “نازعت حتى تكون موجودة إلى جانب شعراء كلهم ذكور، ونجحت أن تكون المرأة الوحيدة التي توجد في المشهد الشعري المغربي آنذاك ضمن شعراء أغلبهم ذكور وأغلبهم كانوا درسوا في كلية الآداب ظهر المهراز بفاس، وشعراء الجيل الذي سبقهم من الستينات، الذين كانوا هم الأساتذة الذين يؤطرون هؤلاء الشعراء والنقاد أيضا أو الذين سيصبحون نقادا فيما بعد”.

رسّامة تخصص

عبد الجليل الكريفة، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، استحضر “للاّ مليكة” كما يحبّ المراكشيون مناداتها كامرأة يمكن التطرق إلى مسارها من زوايا مختلفة، مبرزا أنه عرفها في نهاية السبعينات، حين كانت مديرة لثانوية “للا عبدة السعدية”، كان يرافق شقيقته حتى يوصلها للمدرسة، ذاكرا أنها “كانت مديرة حريصة، لأن هذه المدرسة الثانوية كانت تحتوي على داخلية مخصصة للتلميذات، وهذه مسؤولية مخيفة”.

وإمعاناً في كشف معالم سيرتها النضالية، أشار الكريفة إلى كون المؤسسة التعليمية توجد في “باب الدماغ، أي في حومة الدباغين، وهنا يمكن أن نشخص مجتمعا ذكوريا حقيقيا يتجاوز ما هو أكاديمي، بما أن الفضاء يعد معقلاً لكلّ الدبّاغة الرجال الذين تقف وسطهم امرأة وحيدة: مليكة العاصمي، مديرة المدرسة، التي ترشحت لاحقا للانتخابات باسم حزب الاستقلال”.

وأضاف: “لقد استطاعت بحكمتها ولباقتها وبحسن تسييرها أن تجعل هؤلاء الرجال [الشداد] يهتفون باسمها ويرفعون الشعارات التي تريدها ويسعون إلى نجاحها في هذه الانتخابات”، وتابع: “كانت امرأة واجهت وأقنعت ووصلت بقوتها وبشجاعتها، ولم يكن سهلا كما نتصور أن يتم إقناع ذاك المجتمع الصغير الضارب في الشعبية”.

وحسب ماحكاه المتحدث، فالعاصمي “حين وصلت إلى السلطة كانت مثل المتنبي، لم يكن يُسمع إلا صوتها، فكانت هذه أول تجربة تخوضها بنجاح”.

وانتقل الكريفة إلى مشاركة قصة تتلمذه على يديها، مسجلا أنه بعد افتتاح كلية الآداب بمراكش في بداية الثمانينات، التحق هو كطالب في شعبة الجغرافيا في السنة الموالية، موردا أنه “من حسن الصدف أن العاصمي ستأتي أستاذة في هذه الكلية، واختارت مادة الثقافة الشعبية، التي كانت تخلق حرجا في الأوساط الأكاديمية آنذاك”.

وأوضح أنها كانت تتكلم في محاضراتها عن الثقافة الشعبية وعن بدر شاكر السياب وعن علال الفاسي، وكانت تتحرك داخل مختلف الميادين، ولهذا كانت محاضراتها مادة شهية يقبل عليها الطلبة بشراهة من مختلف التخصصات، لأنها كانت تمس حضارتهم، وثقافتهم.

وأجمل قائلا: “كانت في مراكش وفي المغرب تمثل النضال مع المحافظة على الهوية، وكانت عنوانا لهذه المهمة”، مسجلا أن المناضل الراحل محمد بوستة أكد له أنه يكن لها تقديرا كبيرا لما كانت تقدمه لساكنة هذه المدينة، خاتما بأنها “كانت أول شاعرة وأول امرأة تدخل لتُدرس في كلية مراكش، كما أنها أسست لدرس الثقافة الشعبية الذي تشبثنا به وظل موجودا، ونتذكرها به إلى الآن، فلها منا كل التحية”.

Exit mobile version