Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

المحامي بهيئة الدارالبيضاء عبدالكبير طبيح: هذه حقيقة العقوبات البديلة و”شراء السجن” (حوار)

المحامي بهيئة الدارالبيضاء عبدالكبير طبيح: هذه حقيقة العقوبات البديلة و"شراء السجن" (حوار)

وردت ضمن أصناف العقوبات البديلة المقترحة بمشروع القانون رقم 43.22، المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي ينتظر اليوم المصادقة عليه من طرف مجلس المستشارين، العمل لأجل المنفعة العامة، إلى جانب أصناف أخرى، وهي المراقبة الإلكترونية، والغرامة اليومية، وتقييد بعض الحقوق، وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية. فما المقصود بعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة؟ وماهي أوجه تفعيلها؟ ومن سيستفيد منها ومن باقي الأصناف، وبالخصوص المراقبة الإلكترونية؟ أسئلة وأخرى يجيبنا عنها المحامي بهيئة الدارالبيضاء، الدكتور عبد الكبير طبيح، في حواره مع جريدة “الصحراء المغربية”، كما يستعرض أبعاد هذه التجربة التي سيخوضها المغرب في باب العقوبات المعاصرة، وموقفه من الجدل القائم حول عبارة “شراء السجن”، التي أثارت حفيظة عدد من المغاربة بعد المصادقة على القانون أمام الغرفة الأولى من البرلمان.

 في البداية، ما هي فلسفة المشرع في إقرار قانون للعقوبات البديلة؟

قانون العقوبات البديلة ليس قانونا خاصا بالمغرب وحده، بل هو قانون جاري به العمل في عدد من الدول، ويمكن إجمال ايجابياته في أربعة أبعاد؛ أولها إصلاحي، من خلال التحذير من مغبة السجن. فالقاضي من يرى وضعية المتهم وجريمته، وبالتالي يحدد استفادته من العقوبة البديلة بشكل تلقائي أو بطلب من النيابة العامة أو بطلب منه، وثانيها الحد من الاكتظاظ داخل السجون وتطوير السياسة العقابية، وثالثها مجتمعي، حيث يتحول مرتكب الجريمة إلى شخص مفيد للمجتمع وملتزم، يشتغل في الأمور التي لها مصلحة المنفعة العامة، أو يقدم خدمة ويكون في نفس الوقت مثالا للآخرين، ورابعها أن يبقى للقضاء تأدية أدواره الحقيقة بالنظر في القضايا الكبرى، وليس ما نشهده اليوم، حيث تحال عليه قضايا ليست من اختصاصه أصلا، فالجرائم العادية أو الجرائم الخفيفة سيتولاها قانون العقوبات البديلة، وهذه هي فلسفلة المشرع من وضع القانون، وواقعيا، فإن ليلة واحدة في السجن للمواطن العادي لا يمكن وصفها إلا بالجحيم، والعقوبة البديلة هي إنقاذ له في حالة ارتكابه لجرم من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.

 

ما المقصود بالمنفعة العامة كأحد بدائل الاعتقال الواردة في القانون؟ وماهي تمظهرات تفعيلها وشروط الاستفادة منها؟

نقصد بالمنفعة العامة كل المؤسسات العمومية، مثل الإدارات والجماعات الترابية والمستشفيات العمومية والجمعيات ذات النفع العام، ويقصد المشرع هنا بالمنفعة العامة العمل داخل المؤسسات ذات النفع العام، والقانون الجديد هنا يحاول أن يمنح للمتهم العقوبة الملائمة لعمله الأصلي أولا، لعدم إخراجه عن أصل العمل المجتمعي الذي ألفه، وثانيا حتى لا تكون العقوبة مصدر تعرضه للإهانة. ويظهر من خلال مقتضيات القانون أن أصناف العقوبات، وضمنها العمل لأجل المنفعة العامة، جاءت حسب الأشخاص وحسب خطورة الفعل، وعند الإخلال بالعقوبة البديلة، فالمتهم يعاد إلى السجن مرة أخرى، وتحسب للمستفيد المدة المحكوم بها كاملة، وبالتالي لا يمكن له المخاطرة بذلك.

 

من سيستفيد من هذه العقوبة؟ ومن له الصلاحية في تحديدها؟

بالجواب عن السؤال من سيستفيد، فإنه دون الجرائم الكبرى والخطيرة، التي لا يمكن أن يحكم فيها بهذه العقوبات، فهناك عدد من الجرائم التي يستفيد مرتكبوها من العقوبات البديلة، خاصة الجرائم ذات العقوبات المخففة والقليلة، حيث يبقى للقضاء السلطة الكبرى وصلاحية تمكين المتهم من الاستفادة من عقوبة بديلة أو لا. وتعود صلاحية تحديد العقوبة البديلة لمؤسستين، وهما المحكمة وقاضي تنفيذ العقوبات، وهما آليتان للتدبير سيدخل المغرب لأول مرة تجربتهما، وما علينا سوى انتظار نتائج تفعيلهما حتى يمكن الحكم على إيجابياتهما وسلبياتهما، لأنه يصعب الآن تقييم هذه التجربة.

 

وما هي الحالات التي سيستفيد منها في حالة إقرار عقوبة المراقبة الإلكترونية؟

عقوبة المراقبة الإلكترونية أو وضع السوار الإلكتروني، وكما سبق وجاء على لسان وزير العدل، سيكون مكلفا للدولة، لأن شركة خاصة ستكون مكلفة بالمراقبة بالتنسيق مع عناصر الشرطة، لكنها أقرته، ولن يبقى الحكم به حبرا على ورق، بل سيطبق في بعض الحالات، مثلا “العنف الزوجي”، فإذا مثلا حكم على الزوج بالابتعاد عن منزل زوجته المعنفة، فسيوضع له سوار إلكتروني لمراقبة تطبيق العقوبة، وستحدد له المسافة التي لا يجب أن يقترب من منزلها، ففي حالة خرقه لذلك فإن السوار ينفك، وبالتالي تأخذ السلطات الأمنية بذلك خبرا، وستعيد إيقافه ووقتها سيعود إلى السجن لقضاء العقوبة الحبسية، ولا يمكنه الاستفادة مرة أخرى من العقوبة البديلة.

 

بعد المصادقة على المشروع، تداول الرأي العام المغربي عبارة “شراء السجن”، وأثارت العديد من الجدل، كيف ترى ذلك؟ وهل يكرس هذا القانون ذلك؟

إن مجرد قول كلمة “شراء السجن” تعتبر عبارة “مقلقة ومستفزة”، لكنه إجراء موجود في جميع الدول التي أقرت قبلنا قوانين للعقوبات البديلة، ولا يمكن أن نستثنيها في المغرب لمجرد الجدل حولها، فالنقاش حول ذلك كان دائرا منذ البداية، والحكومة تراجعت عنه في ما بعد وحذفته، لكن فرق الأغلبية أعادت النظر فيه وقدمته كتعديل، وجرى التصويت عليه لدى مجلس النواب، وهو حاليا بين يدي مجلس المستشارين. لكن ما لا يعرفه المثيرون للجدل حول هذه العقوبة البديلة، ولهم الحق في كل ذلك، هو أنها تطبق مرة واحدة فقط، ولا يمكن في كل مرة يعاد فيها الفعل الاستفادة من العقوبة البدلية، وبالتالي فالمشرع كان متشددا من هذه الناحية، فعند ارتكاب الجريمة، وفي حالة العود، تطبق العقوبة السجنية، ولا إمكانية للاستفادة من عقوبة بديلة.

 

كيف يمكن أن تساهم هذه العقوبات البديلة في تطور السياسة العقابية المعاصرة بالمغرب؟

لا يمكن الحكم على أي قانون إلا بعد دخوله حيز التنفيذ، لكن الواضح من خلال مقتضياته أنه لا يمكن لأي متهم الاستفادة من العقوبات البديلة الواردة فيه إلا بعد حكم قضائي من المحكمة أو من قاضي تنفيذ العقوبة. فحين يجري تطبيق هذا القانون، وفي حالة عدم إثبات فعاليته، يمكن التوقف عن العمل به بكل بساطة، وليست فيه أي مخاطرة وإلزام للقضاء بتفعيله، بل للقضاء السلطة التقديرية الكاملة، بعد طلب من النيابة العامة أو من المتهم نفسه، لتطبيقها، وفي نهاية المطاف قاضي تنفيذ العقوبات أو المحكمة لهما القرار الأخير. في تقديري، من الناحية العملية، القانون في حد ذاته متطور جدا، ولا بد من إدراجه حيز التطبيق في أقرب وقت، لأنه سينبه الأشخاص لخطورة قضاء العقوبة داخل السجن، وسيكون له أثر نفسي على المدان به، نقصد المواطن العادي أو من حكم عليه لأول مرة بسبب خطأ أدى به لارتكاب فعل جرمي، أما من ألف السجن، وله عقوبات سجنية متعددة، فلا مجال للحديث عنه ضمن هذا القانون الجديد. وبالتالي فالقانون في حد ذاته يهدف إيجاد حلول للإجرام البسيط والخفيف، من خلال عقوبات بديلة تروم التأهيل والإدماج بعيدا عن أسوار السجن.
 

Exit mobile version