Site icon جريدة النهار المغربية – Alnahar

محمد مومن: إعادة النظر في مدونة الأسرة يأتي في سياق إصلاحي متطور لتجاوز بعض الثغرات

محمد مومن: إعادة النظر في مدونة الأسرة يأتي في سياق إصلاحي متطور لتجاوز بعض الثغرات

أكد محمد مومن أستاد قانون الأسرة بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، أن إعادة النظر في مدونة الأسرة يأتي في سياق إصلاحي متطور ومستمر لتجاوز بعض الثغرات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي، وأضاف مومن في حوار مع “الصحراء المغربية”، أن التعديل لن يشمل كل المدونة، وإنما سيكون تعديلا لبعض مقتضياتها، مبرزا أن المقتضيات الخاصة بالزواج وآثاره وبالطلاق والتطليق وآثارهما، من بين المقتضيات التي تحتاج إلى تعديل.

++ما هوسياق الرسالة التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لرئيس الحكومة من أجل إعادة النظر في مدونة الأسرة؟

تأتي الإرادة الملكية السامية لإعادة النظر مدونة الأسرة في سياق إصلاحي متطور ومستمر، يَحرص على مواكبة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي، وملاءمتها مع مقتضيات الدستور ومضامين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، بما لا يَتنافى مع الثَوابت والمرجعيات المغربية، خصوصا بعد مرور عقدين من الزمن على إقرار مدونة الأسرة سنة 2004، وذلك من أجل تجاوز بعض الثغرات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي، أو كما قال جلالة الملك :” لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها”.

 

++تحدثت الرسالة الملكية عن بعض “العيوب والاختلالات” التي ظهرت عند تطبيق مدونة الأسرة. ماهي أبرز هذه الاختلالات؟

يتبين من خلال النقاشات التي تلت الرسالة الملكية أن بعضها مع الأسف خرجت عن الإطار العام، وكانت مجرد نقاش عقيم، إما لعدم فهم الإشكالات المطروحة، أو عدم ضبط التداخل بين ما هو ديني وقانوني وحقوقي واجتماعي، أو لاختزال النقاش في المرأة فقط

دون باقي مكونات الأسرة، أو مسألة اقتسام الأموال المكتسبة خلال العلاقة الزوجية، أو طرح بعض السجالات بشأن مطالب المساواة في الإرث، دون الرجوع إلى مضامين خطاب العرش لسنة 2022 أو الرسالة الموجهة لرئيس الحكومة، وكذا المرجعيات التي حَدَدها جلالة الملك في العديد من الخطابات ومنها، حصر مهمة اللجنة المعنية بتعديل المدونة في “تجاوز العيوب والاختلالات التي ظهرت في الممارسة العملية، ومواكبة تطورات بنية الأسرة داخل المجتمع المغربي”، بالإضافة إلى أن جلالة الملك كان واضحا وصريحا عندما قال “ومن هذا المنطلق، فإن المرجعيات والمرتكزات تظل دون تغيير. ويتعلق الأمر بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”، وبالتالي قَطع الشك باليقين عندما شدَد جلالته في الرسالة الموجهة لرئيس الحكومة بالقول “وكما أكدنا أكثر من مرة، فإننا، بصفتنا أمير المؤمنين، لا يمكننا أن نحل ما حرم الله ولا أن نحرم ما أحله جل وعلا”.

وبناء عليه، فإن المدونة إذا كانت تتضمن مقتضيات جيدة ولها فعاليتها فإن هناك بعض المقتضيات التي تحتاج إلى مراجعة سواء الخاصة بالزواج وآثاره، أم انحلال العلاقة الزوجية وآثارها، ومنها زواج القاصر، مسألة التعدد ومحاربة التحايل على القانون بشأنه، والرجوع إلى بيت الزوجية، وسماع دعوى الزوجية، والولاية الشرعية على الأولاد، ومسطرة الصلح، وتحديد المستحقات وإخلاء مسكن الزوجية لفائدة الأطفال، وإدراج الوكالة في الطلاق، وانحلال العلاقة الزوجية .

 

++ في نظركم، وبعد 20 سنة من تطبيق المدونة، ماهي الأمور التي تحتاج تعديلات وتغييرات خاصة في ظل استحضار بعض المرجعيات التي تظل دون تغيير، ومنها مبادئ الدين الإسلامي وخصوصيات المجتمع المغربي؟

أعتقد أن التعديل لن يشمل كل المدونة، وإنما سيكون تعديلا لبعض مقتضياتها، وأرى أنه من بين المقتضيات التي تحتاج إلى تعديل، تشمل المقتضيات الخاصة بالزواج وآثاره وبالطلاق والتطليق وآثارهما. وبالنسبة لإعادة النظر في بعض النصوص المنظمة للزواج وآثاره، فمنها مثلا :إعادة النظر في الفصل 156 وذلك بسبب تداخل أحكامه مع مقتضيات قانونية، وتعارضها مع مقتضيات قانونية أخرى وكذا لإفرازها لوضعية شاذة مثل وجود أطفال مثبت نسبهم في وقت يستحيل معه إثبات رابطة الزوجية بين والديهم، وكذا عدم استطاعتها تمديد الحماية لفئة كبيرة من الأطفال.وكان من الأنسب لو تم الارتقاء بالخطبة المقترنة بالشروط المنصوص عليها في هذه المادة إلى مكانة الزواج غير الموثق، وترتيب على ذلك إمكانية توثيق عقد الزواج بالإضافة إلى الاعتراف بالنسب وذلك بشكل صريح يجنب القضاء احتمالات التأويل، والاختلاف في التطبيق، أو اعتباره زواجا فاسدا، ثانيا، تنظيم حالة اختلاف الخطيبين بعد إنهاء الخطبة حول طبيعة ما قدمه الخاطب لخطيبته قبل

أن يعدلا عن خطبتها أهو من المهر فيسترد وإن كان العدول من جانبه، أم على سبيل الهدية فلا يسترد إن كان العدول من قبله، ثالثا، تنظيم الشهادة الطبية المطلوبة في ملف الزواج بأن يركز الطبيب الذي يقوم بفحص الراغب في الزواج في فحصه على البحث عن الأمراض المعدية والعلل الخطيرة التي من شأنها الإضرار بالزوج الآخر وبالأطفال، مع تحديد مدة صلاحية الشهادة الطبية ومآل هذا الفحص إذا ثبتت الإصابة بأحد هذه الأمراض.

وكذلك المادة 20 المتعلقة بالإذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، والذي يصعب إلغاؤه بسبب عقلية المجتمع المغربي، والحاجة إليه في بعض الحالات، يتعين جعله استثناء وتقييده بضبطه بشروط دقيقة تقلص من دور السلطة التقديرية للقضاة، ومن ذلك تحديده في سن معينة، ومراعاة تقارب السن بين الزوجين ووجوب الخضوع للخبرة الطبية والبحث الاجتماعي معا، وتوفر القاصر على النضج العقلي، والأهلية الجسمانية، وأن يكون لأسباب جدية أو لضرورة، وأن تكون هناك مصلحة للقاصر أو القاصرة، ووجوب تعليل مقرر الإذن وأن يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك.

المادة 23 والخاصة بزواج المصاب بإعاقة ذهنية من خلال تحديد المحكمة المختصة بتلقي طلب الإذن بزواجه، واشتراط موافقة وليه، وتحديد المقصود بالمعاق ذهنيا، وحالات هذه الإعاقة،وأن تكون المحكمة هي التي تأمر بعد الاستماع إلى الأطراف بإخضاع المصاب بإعاقة ذهنية للخبرة الطبية، وأن يتم النص على أن التقرير يشمل معرفة حالة الإعاقة المصاب بها المعاق ذهنيا، وأنها لا تحول دون قيام علاقة زوجية عادية بين الطرفين، وأن زواج المعاق ذهنيا فيه مصلحة له، ولا ضرر فيه لغيره وألا يكون مرضه مما ينتقل إلى نسله. مع السماح للنيابة العامة بالطعن في المقرر إذا رأت أن قرار منح الإذن بالزواج لم يكن في محله لاعتبارات معينة.

المادة 49 حول تحديد النظام المالي للزوجين والذي يستحسن تكريس العرف المتعلق بحق الكد والسعاية بالنسبة للزوجين معا ما دام أنه نابع من المجتمع المغربي بدل اقتباس أنظمة غريبة عنه، وتحديد طبيعة المساهمة التي تخول هذا الحق، وتنظيم ما يتعلق بالإثبات ومصير الأموال التي تكون عبارة عن عقارات محفظة إذا قيدت باسم أحد الزوجين في السجل العقاري.

ومن بين الأمور كذلك التي تحتاج الى تغييرات خاصة، تنظيم زواج المريض مرض الموت، والأخذ بالمشهور في المذهب المالكي وهو أن زواج المريض مرض المخوف لا يجوز، لأن فيه إضرارا بالورثة والتضييق عليهم بإدخال وارث جديد، وإذا وقع الزواج فإن يفرق بينهما، وتنظيم زواج معتنقي الإسلام والأجانب بتحديد الإجراءات ببيان قسم قضاء الأسرة المختص مكانيا لتسجيل الطلب،وتوضيح البيانات التي يجب أن يتضمنها الطلب والوثائق التي يتعين إرفاقها به، وإجراءات البحث والبت في الطلب، وتنظيم الإذن بتوثيق عقد الزواج بضرورة ذكر أسماء الأطراف، وتحديد أجل معين للمستفيد منه لاستعماله تحت طائلة عدم الإشهاد على زواجه من طرف العدلين، مادام ذلك لايمنع الراغب من الزواج

من تجديد طلبه، وموضوع إثبات النسب وإمكانية اللجوء للوسائل الحديثة، والمساواة في الولاية الشرعية على الأولاد، لتناقضها مع جعل المدونة المسؤولية مشتركة بين الزوجين في رعاية الأسرة، وتعديل المادة 238 التي تشترط لولاية الأم على أبنائها القاصرين توفر شروط تم تحديدها في غياب الأب أو وفاته أو فقدانه للأهلية القانونية. وحتى في حالة وفاة الأب تحرم الأم من هذا الحق إذا كان الأب قد عين قيد حياته وصيا قانونيا آخر على أبنائه، وتسقط حضانة الأطفال على المرأة في حالة ما تزوجت بعد الطلاق، عكس الرجل الذي لا يمس زواجه بعد الطلاق في حضانته للأطفال، ولا يحق للزوجة السفر مع الأبناء المحضنين خارج أرض الوطن دون موافقة النائب الشرعي الذي هو المطلق.

وبخصوص مسألة التعدد، يتعين حل الإشكال الذي تثيره المادة 42 من مدونة الأسرة باشتراطها وجود “المبرر الموضوعي الاستثنائي” والذي اختلفت المحاكم في تفسيره، من تحديد حالات هذا المبرر الموضوعي الاستثنائي. مع النص على ضرورة توفر الشروط والقيود والضمانات المتعلقة بالتعدد بالنسبة للمطلقة طلاقا رجعيا ورغب مطلقها أثناء عدتها الزواج بغيرها، وكذا بالنسبة للزوج الذي يرغب في مراجعة مطلقته من طلاق بائن في وقت تزوج فيه خلال فترة الطلاق بامرأة أخرى. مع عدم إضفاء الصبغة النهائية على مقرر الإذن بالتعدد، وجعله خاضعا للطعن أمام محكمة الدرجة الثانية حتى تتأكد أيضا من مدى توفر الشروط الشرعية والقانونية الموجبة للتعدد.

منح النيابة العامة الوسائل اللازمة للتدخل من أجل حماية الأسرة خاصة الأطفال في وضعية صعبة، وحماية المحضون حالة قيام النزاع بين الأبوين، والنساء ضحايا العنف والنزاعات الأسرية والتفكك الأسري، وإحداث شرطة متخصصة ومساعدين اجتماعيين في الميدان الأسري.

وفي إطار التعديلات المنتظرة على مدونة الاسرة، أؤكد على ضرورة مراجعة مسألة الرجوع إلى بيت الزوجية والتي ثبت من خلال العمل القضائي أن الغاية منه غالبا ما تكون هي الحصول على محضر الامتناع لإسقاط نفقة الزوجة، لذلك من الأفضل التنصيص على أن الزوجة التي ليست في بيت الزوجية حقيقة أو حكما لا تستحق النفقة، فضلا عن مراجعة الفقرة الأخيرة من المادة 16 المتعلقة بسماع دعوى الزوجية أو إلغاؤها في ظل الاجتهاد القضائي المستند على المادة 400 مع تحديد حالاته وشروطه والمناطق التي يمكن أن يطبق فيها.

وبخصوص إعادة النظر في بعض النصوص المنظمة لانحلال العلاقة الزوجية، يتعين تنظيم مسألة الصلح والنص على وجوب إجرائه من طرف مكاتب متخصصة من قبيل المجالس العلمية والمساعدين الاجتماعيين والنفسيين، والوسطاء في المادة الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء، وتحديد المستحقات وإخلاء مسكن الزوجية لفائدة الأطفال ما لم يكن الزوج متزوجا من امرأة أخرى ولديهما أطفال، وتنظيم أسباب سقوط النفقة، والحسم في مسألة استحقاق المرأة طالبة الشقاق للمتعة رفعا للخلاف الفقهي والقضائي، والتنصيص

على إمكانية الاستعانة بالوكالة في الطلاق والتطليق مع جعل الأصل هو مباشرة الطلاق أو التطليق بين الزوجين بصفة شخصية، حرصا على تماسك الأسرة، وحفاظا على أسرارها، إلا أنه إذا تعذر حضور أحدهما، لسبب قاهر، فلا مانع من قبول الوكالة في الطلاق والتطليق إسوة بالوكالة في الزواج، وإخضاعها لنفس الشروط، ومنها تضمينها في محرر رسمي، ووجود ظروف خاصة وعرضها على قاضي التوثيق قبل الإشهاد لمراقبة وجاهة هذا السبب.

ومن الأحسن أن يتم حصر ذلك في الطلاق الاتفاقي والطلاق قبل البناء والخلع، ومراجعة مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 45 من مدونة الأسرة المتعلقة بالتطبيق التلقائي لمسطرة الشقاق وإعطاء الزوجة مهلة التفكير، وتقييد الطلاق من حيث الوقت بأن يكون في حالة طهر الزوجة، ومن حيث العدد بألا يكون أكثر من واحدة، فإن طلقها وهي حائض، أو في نفاس، أو في طهر مسها فيه، عد ذلك طلاقا بدعيا، وإسناد مهام مسطرة توثيق الإذن بالطلاق للمحكمة بدل إسنادها للزوج، لأنه ثبت تهاون العديد من الأزواج في تنفيذ الطلاق وذلك بعدم تنفيذ الإذن الصادر عن المحكمة بتوثيق عقد الطلاق لدى عدلين، مما يجعل الزواج لا زال قائما رغم صدور مقرر الطلاق، وتشجيع اللجوء إلى الطلاق الاتفاقي تحت رقابة القضاء، وإعادة النظر في ترجيح المدونة كفة المرأة في اللجوء إلى التطليق، حيث إنه باستثناء التطليق للشقاق والتطليق بسبب العيب فكل الأسباب الأخرى مخولة للمرأة دون الرجل، كالتطليق للضرر والتطليق بسبب الإخلال بشرط في عقد الزواج، والتطليق للغيبة ولسجن الزو، بالإضافة إلى تحديد كيفية التفريق بين الزوجين في الزواج الباطل والزواج الفاسد متى تقرر فسخه، والتنصيص صراحة على أحقية المتضرر من الزوجين من طلاق تعسفي في الاستفادة من التعويض عن الضرر، مع جعل هذا التعويض مرتبطا بوجود خطأ من أحد الزوجين، متمثل في التعسف في استعمال حق إنهاء العلاقة الزوجية، وكذا من حيث التقدير بالرجوع في تقدير التعويض إلى القواعد المضمنة في قانون الالتزامات والعقود وليس إلى مقتضيات المادة 84 من مدونة الأسرة، وتنظيم أحكام العدة وخصوصا كيفية احتسابها وحالات تداخل العدد وتحولها، وإعادة النظر في بعض المقتضيات المتعلقة بالحضانة خاصة ما تعلق بسقوط الحضانة ومراعاة المصلحة الفضلى للمحضون والسفر بالمحضون، مع تفعيل دور النيابة العامة فيما يخص حماية المحضون في وضعية صعبة أو عند وجود نزاع بين الأبوين.

 

 

Exit mobile version