فجّر الإجهاد المائي الذي تعرفه المملكة المغربية وضرورة مواجهة هذه الحالة أو على الأقل التقليص من تبعاتها بكل الوسائل والطرق دعوات إلى تشجيع الدراسات ودعم البحث العلمي على مستوى الجامعات ومختبرات البحث، خاصة في مجال تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة والبحث عن مصادر أخرى للماء من أجل مواكبة تنزيل مخططات الدولة في هذا الصدد والحد من آثار الوضعية المائية المستجدة في البلاد على الأمن المائي والغذائي للمغاربة.
في هذا الإطار، قال رشيد فاسح، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، إن “مجموعة من الدول انخرطت بشكل مبكر في تشجيع البحث العلمي علاقة بالقضايا ذات الأولوية، على غرار قضية شح المياه وندرتها من خلال البحث عن تقنيات وأساليب ومصادر أخرى غير اعتيادية لهذا المورد الأساسي”، مسجلا الحاجة إلى “المزيد من الاجتهاد على مستوى البحث العلمي الوطني من أجل مواكبة تنزيل الاستراتيجية الوطنية للماء والبحث عن مصادر أخرى للمياه في بعض الأماكن التي يمكن أن تزخر باحتياطات مهمة كجبال الأطلس على سبيل المثال”.
وأضاف فاسح أن “المغرب ما زال لم يخطُ خطوات مهمة في اتجاه تكثيف البحوث العلمية المتعلقة باكتشاف مصادر المياه العذبة الموجودة وسط البحار المتصلة ببعض الأودية”، مشيرا إلى أن “البحث العلمي في الأصل يجب تشجيعه والرقي به خارج أية أزمة، ويصبح ذلك أكثر إلحاحا مع هذه الأخيرة؛ لأن مسألة المياه وتدبير ندرتها أضحى ضرورة استراتيجية، خاصة أن حروب المستقبل من المتوقع أن تكون حول الماء وقد بدأت بوادرها تظهر في عالم اليوم من خلال الصراع الإثيوبي المصري حول سد النهضة ومياه النيل”.
ولفت المصرح لجريدة النهار إلى أن “المملكة، ومن خلال كفاءات وطنية على مستوى الجامعات ومختبرات البحث، يجب أن تواكب مستجدات البحث العلمي والتقني في مجال استدامة الموارد المائية وتحلية مياه البحر والمياه الخضراء؛ وذلك من أجل الاستفادة أولا من تراكمات العقل العلمي المغربي من جهة، والاستفادة أيضا من مياه السواحل المغربية على غرار ما فعلته بعض دول الخليج، على الرغم من التأثيرات المستقبلية لهذا الأمر إلا أنه يبقى شرا لا بد منه”.
من جانبه، قال خالد الصمدي، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سابقا، في تصريح لجريدة النهار، إن “المغرب كان قد وضع استراتيجية للبحث العلمي في سنة 2015 وفي أفق سنة 2026، ولم يقع تحيينها بشكل دائم ومستمر. كما تم إحداث لجنة يرأسها رئيس الحكومة تسمى لجنة البحث العلمي والابتكار، والتي توقف عملها مع الحكومة السابقة؛ أضف إلى ذلك المجلس الوطني للبحث العلمي، الذي صدر مرسوم إحداثه ولم يتم تنصيبه إلى حدود اللحظة”.
وأضاف الصمدي، “إننا اليوم أمام ضبابية كبيرة تشهدها الاستراتيجية الوطنية في مجال البحث العلمي؛ وبالتالي فإن مساءلة الفاعلين في هذا المجال واستراتيجياتهم ورؤاهم المستقبلية فيما يخص القضايا المهمة، على غرار قضية الإجهاد المائي يقتضي أولا إخراج هذه المؤسسات إلى الوجود من أجل القيام بأدوارها في التخطيط الاستراتيجي ارتباطا بهذه القضايا ذات الأولوية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى “ضرورة الاشتغال في هذا الصدد بمسارين: الأول إخراج هذه الآليات المؤسساتية إلى أرض الواقع، والثاني هو تعبئة الطاقات والكفاءات الوطنية على مستوى الجامعات ومؤسسات البحث العلمي والقطاع الخاص والتعاون الدولي؛ من أجل التقليص على الأقل من الآثار السلبية لحالة الإجهاد المائي الذي تمر منه البلاد، خاصة أنه من المتوقع أن تستمر هذه الحالة بالوتيرة نفسها خلال الخمس سنوات المقبلة”.
ودعا كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سابقا إلى “الانخراط في التوعية عبر البرامج والمؤسسات التعليمية بمخاطر الحالة المائية وحث الجميع على تغيير سلوكهم في تدبير هذا المورد وترشيد استهلاكه”؛ لأن هذا الأمر “يعد هو الآخر مدخلا مهما وأساسيا لتجاوز آثار هذا الوضع بأقل الخسائر”.