أشاد المشاركون، أمس الخميس بمراكش، بسياسة المملكة في مجال العناية بالمدن العتيقة وتثمينها والحفاظ على إشعاعها العمراني، والتي أضحت رافعة حقيقية للنهوض بهذه الحواضر المتفردة وتحسين معيشة ساكنتها، وجعلها أقطابا سياحية تتيح إنعاش الحركة الاقتصادية، وذلك وفق منظور يحرص على المزاوجة بين أصالة المعمار وضرورة التحديث.
وأكد المشاركونخلال ندوة دولية لاستحضار واقع ومستقبل المدن العتيقة ومعرفة التراث المعماري وذاكرته في المغرب الكبير والشرق العربي، ضمنهم خبراء ومهندسون معماريون، في هذه الندوة المنظمة على هامش فعاليات الدورة 11 من سماع مراكش للقاءات والموسيقى الصوفية، أن برامج تأهيل وتثمين المدن العتيقة بالمملكة، يبرز الاهتمام الخاص الذي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوليه لتأهيل المدن العتيقة لجعل هذه الحواضر الألفية منارات عمرانية، حضرية وسياحية وازنة.
وشددوا على ضرورة بذل المزيد من الجهود لإعادة تأهيل التراث المادي واللامادي من أجل تطوير وإعطاء دفعة جديدة لهذا التراث.
وأجمعوا على أن التعاون الدولي يظل من أنجع آليات حفظ التراث انطلاقا من تضافر المجهود العلمي والدراسي على المستوى النظري وتبادل التجارب والخبرات والإمكانيات على المستوى العلمي وعلى أوسع نطاق خاصة مع التجارب الدولية التي نجحت جليا في المزاوجة بين التحديث وصيانة الذاكرة التاريخية.
ولدى استعراضه للدينامية القوية والمتطورة والمؤهلات التراثية (الطبيعية والمعمارية والتاريخية) التي تزخر بها مدينة مراكش، قال جعفر الكنسوسي مدير موسمية سماع مراكش، إن المدينة الحمراء في طريقها لتصبح مدينة ذات معايير دولية من خلال بلورة تخطيط حضري ليبرالي ومبتكر، وذلك بفضل مساهمة بعض المهندسين المعماريين المعاصرين ذائعي الصيت على الساحة الدولية.
وأضاف أنه إلى جانب هذه المبادرات المختلفة، تعيش مراكش الحاضرة العتيقة زمنا متفردا بالنظر إلى عمرها المديد، حيث تم إعداد برنامج ثقافي انصب على تثمين وصيانة التراث الثقافي، مثل المواقع التاريخية العريقة في المدينة، على غرار مدرسة ابن يوسف التاريخية، فضلا عن إعادة تأهيل المدينة القديمة، موضحا أن إرث المدينة الذي يعود إلى الفترة 1912 و1956 يمثل تراثا معماريا كولونياليا متعددا ومهما للغاية، مما يبرز أصالة تصنيفه من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
من جانبه، شدد المهندس المعماري الفرنسي فليب ريفو، على أنه ينبغي النظر إلى التراث في ديناميته وليس كتراث جامد، وذلك من أجل ضمان انتقاله إلى الأجيال القادمة والحرص على استدامته.
وشكلت هذه الندوة الدولية، فرصة لمجموعة من المهندسين المعماريين والخبراء العمرانيين من المغرب والعالم العربي وأوروبا، لتدارس أحوال تراث المدن العتيقة في المغرب الكبير وفي الشرق العربي، من خلال تبادل الأفكار التي تتقاسم الاهتمامات العلمية ذاتها بالنسبة للمدن العتيقة بالمغرب العربي والشرق الأوسط.
ويتضمن برنامج هذه التظاهرة الثقافية والفنية، التي تستمر إلى غاية الأحد 23 أكتوبر الجاري، أمسيات للسماع، تحييها مجموعات سماعية وطربية أندلسية وطنية، ومجالس طرب الآلة وعروض في فنون الرواية والحكي، يحييها رواد الحلقة بساحة جامع الفناء وتلامذة مدرسة مراكش للحكي، بالإضافة إلى تقديم مشروع مركز توثيق تراث المدن العتيقة والقصبات الذي يحدث بمدينة مراكش، ويمهد لافتتاحه معرض يعرف بنماذج معمارية وعمرانية من عدة مدن مغربية وعربية مستخلصة من المحتوى الوثائقي للمركز.
ومنذ انطلاق دورته الأولى، تركز اهتمامات سماع مراكش للقاءات والموسيقى الصوفية، على النقاشات الفكرية التي لازمت كل دورة حول قضايا متنوعة من قبيل الخزائن ومكتبات التصوف القديمة، والمعرفة والإنسان، والحرية وغيرها.
