استحضر المشاركون في الملتقى الروحي الدولي الثاني لمولاي علي الشريف دفين مراكش، الذي افتتحت أشغاله، أمس الأحد بمركز الندوات لجامعة القاضي عياض بمراكش، قيم التصوف في بلاد المغرب باعتباره أرضا للتلاقح الثقافي والروحي ومعبرا للبعثات العلمية القادمة من المشرق، حتى أضحت أرض المملكة المغربية قلعة من قلاع التصوف السني المبني على تهذيب الأخلاق والرقي التربوي وتزكية النفس.
وأجمع المشاركون في الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى، أن التصوف يمثل أحد الثوابت الدينية للأمة المغربية، باعتباره مقوم من مقومات تاريخ المغرب الروحي والديني والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
وثمن عدد من الباحتين والعلماء الأفارقة ومن الولايات المتحدة الأمريكية، في مداخلاتهم الأهمية التي يكتسيها موضوع الملتقى المنظم بمبادرة من مؤسسة مولاي علي الشريف المراكشي – باب هيلانة ، والذي أتاح الفرصة للمشاركين لتقاسم المعرفة، وإبراز دور أصول منهج التصوف السني في تشكيل الهوية المغربية.
وأكد عبد الإله عفيفي، الكاتب العام لقطاع الثقافة بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، في كلمة ألقاها بالمناسبة، أن وزارة الثقافة والتواصل لاتدخر جهدا في دعم وتشجيع تظاهرات ثقافية التي تحتفي بالموروث الثقافي والفني والوطني الاصيل، موضحا أن هذا الملتقى ومن خلال استحضاره لمنهج التصوف السني في الهوية المغربية، فإنه يربط الصلة بإحدى منابع قيم الاعتدال والتسامح التي كانت على الدوام خيارا طبيعيا للذات المغربية.
وأضاف أن استحضار التاريخ الوطني من خلال رموزه في مختلف المجالات يجسد وفاء المغاربة بعبقرية الخط الحضاري المتصل الذي يشكل عمق التلاحم الوطني وأساس سمو مكانة المملكة المغربية بين الامم، مشيرا الى أن المغرب راكم رصيد تاريخ مجيد قوامه الكفاح الوطني من أجل البناء والرقي والازدهار، ويواصل مسيرته الحضارية بمزيد من الغنى المادي والرمزي تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
من جانبه، أوضح مولاي سلامة العلوي رئيس مؤسسة مولاي علي الشريف المراكشي باب هيلانة، أن هذا الملتقى يكتسي خصوصية علمية وفكرية وروحية وتربوية نبيلة تعتبر ركنا أساسيا في الهوية الروحية المغربية كمشترك انساني كوني، مشيرا الى أن الرسالة العلمية التي يركز عليها هذا الملتقى ستساهم في إزالة الغموض والالتباس الذي يمكن أن يحصل في الاحوال والمفاهيم، والعمل على استبيان وتقويم بعض ما طرأ على منهج التصوف من ممارسات بشرية لاتكاد تحمل من هذا المنهج والطريق القويم غير الاسم والادعاء.
وأكد، في هذا الصدد، ، على ضرورة البحث والتنقيب في الذاكرة الصوفية ومسارها التاريخي لما فيه مصلحة المملكة المغربية، والبحث عن سياق التغيير وتمتلاته، ومحاولة الإجابة عن قضايا وظواهر رافقت تطور التصوف السني منذ نشأته.
بدوره، أوضح الحسن احبيض رئيس جامعة القاضي عياض، أن الجامعة بانخراطها في هذه السلسلة من الملتقيات الثقافية والروحية، تسعى إلى العمل مع مؤسسة مولاي علي الشريف وكل المتدخلين، لإبراز التراث الروحي المغربي والتراث اللامادي، وارتباطه بتطور الدولة العلوية.
وذكر، في هذا الصدد، بدور الجامعة، في علاقتها بمحيطها السوسيو – اقتصادي، في التعريف بالتراث ونشر الثقافة، ودورها في تصحيح مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالمنهج السني المغربي والمنهج الديني المعتدل والمواضيع التي سيتناولها هذا الملتقى الدولي الروحي، الذي يراهن على الاجيال الصاعدة من خلال استضافته للطلبة والتلاميذ.
ويأتي هذا الملتقى، المنظم على مدى يومين، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وجامعة القاضي عياض، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، والاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مراكش –أسفي، والاتحاد العربي الافريقي للثقافة والتنمية بالسنغال، تتويجا لسلسلة من الأنشطة الثقافية التي دأبت مؤسسة مولاي على الشريف دفين مراكش على تنظيمها، تكريسا للقيم العلمية والروحية والحضارية الأصيلة التي أسس لها مولاي علي الشريف، وإبرازا للتعاون الوثيق القائم بين المملكة وباقي الدول الإفريقية، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية.
ويتناول المشاركون في هذا الملتقى، المنظم بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، موضوع ” منهج التصوف السني في الهوية المغربية بين الأصل والممارسة : استمداد وائتمان من بيت النبوة الشريف”.
وتتمحور أشغال هذا الملتقى، حول مجموعة من المواضيع البالغة الأهمية تهم على الخصوص “التصوف السني بين السلوك والاعتقاد: نماء للذات وبناء للأوطان وآمال للإنسانية”،و”الممارسة الصوفية بين الأحزاب والمناقبة وأقوال الشيخ المربي: أصول الطريقة الشادلية نموذجا”، و” التصوف المغربي ودوره في إرساء السلم والأخوة داخل مجتمعات غرب إفريقيا: الطريقة التيجانية نموذجا”، و”جوانب من تمثل الغرب الإسلامي للبعد الروحي في الرسالة المحمدية قديما وحديثا”، و”القيم التربوية في التصوف المغربي وأثرها في تشكيل الهوية الحضارية للمغاربة”، و”الحركة الصوفية بالجنوب المغربي بين التنظير العلمي والتطبيق العملي”، و”دور التصوف في بناء روحانية السلام بين الشعوب وتأسيس المشترك الإنساني”، و”التصوف وترشيد الرسالة الإصلاحية للفقه عند السادة المالكية في المملكة المغربية”، و”التجليات الصوفية في الهوية الثقافية بالمغرب مقاربة تاريخية”.
