العودة الطبيعية للدراسة أصبحت حلما صعب المنال في ظل فشل الحكومة في التفاوض مع الأساتذة المضربين، وإقناعهم بالرجوع إلى الفصول الدراسية، ووقف هدر الزمن المدرسي الذي استمر قرابة ثلاثة أشهر.
وخلافا لما يروج حول التوصل إلى توافق بين الأطراف المعنية خلال جلسات الحوار، المنعقدة من قبل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة واللجنة الثلاثية التي شكلها رئيس الحكومة مع تمثيليات الشغيلة التعليمية، فإن الواقع يؤكد استمرار رجال ونساء التعليم في التصعيد ونهج مختلف الأشكال الاحتجاجية إلى غاية نيل مطالبهم، المتمثلة أساسا في إسقاط النظام الأساسي الجديد.
هذه التطورات زادت تأزيم وضعية تلاميذ المدارس العمومية وأولياء أمورهم، الذين صاروا يعيشون أوقاتا صعبة تحمل في طياتها القلق والارتياب والضبابية حول مستقبل تعليم أبنائهم. الضياع هو السمة المشتركة بين تلاميذ المؤسسات التعليمية العمومية والأمهات ممن التقتهم «الصحراء المغربية»، صباح يوم الاثنين، أمام أبواب المدارس الموصدة في وجوهم، ينتظرون انقضاء ساعتي الاحتجاج التي يخوضها الأساتذة، ضمن البرنامج النضالي المسطر تنفيذه خلال الأسبوع الجاري، من أجل ولوج المؤسسة التعليمية والاستفادة من حصة تعليمية أو اثنتين. بعد الزوال ستلفظهم المؤسسة من جديد إلى غاية انتهاء ساعتي الاحتجاج المسائية، ويعودون أدراجهم خاويي الوفاض، ثم ينقطعون عن الدراسة لمدة أربعة أيام متواصلة بسبب الإضرابات المحددة.
هكذا يكمل التلاميذ وأمهاتهم حياتهم اليومية بين لحظات الانتظار والترقب، وبين ساعات الاحتجاج وأيام الإضرابات، حيث يجدون أنفسهم في متاهة تعليم تشوبها انقطاعات متكررة للدراسة، وتأخر في التعلمات، وحالة من عدم اليقين، أثرت سلبا على نفسيتهم، وجعلتهم يواجهون ضغطا وإحباطا شديدين، ويطرحون مجموعة من الأسئلة حول مستقبل التعليم، وكيفية تعويض الزمن المدرسي، واستكمال المقرر الدراسي، ومصير الامتحانات الإشهادية، كما استفسروا عن الأسباب الحقيقية التي جعلت الوزارة الوصية تتأخر في وضع حلول عاجلة للإشكاليات المطروحة، والاستجابة الفورية لمطالب الأساتذة، بدلا من رهن مصير تلاميذ القطاع العمومي وأولياء أمورهم، وشل المدرسة العمومية، في انتظار ما ستسفسر عنه المفاوضات اللامنتهية.
لطيفة، أم لتلميذ يدرس في مستوى أولى بكالوريا، وصفت الأوضاع التعليمية الراهنة بـ»المهزلة»، وعبرت عن غضبها إزاء الانقطاع المستمر للدروس، وتأخر البرامج الدراسية الذي أثر على أداء ابنها التعليمي، وجعله يتقاعس ويفضل المكوث بالمنزل ويهجر كتبه، «نعيش على أعصابنا، ويتملكنا الخوف والتوتر على مستقبل ابني الدراسي.. كيف سيجري الامتحانات المقبلة وهو لم يدرس حرفا واحدا منذ بداية الموسم الدراسي؟».
تواصل لطيفة حديثها لـ»الصحراء المغربية» بنبرة يائسة: «مرضنا نفسيا، ولا أحد من المسؤولين الذين بيدهم زمام أمور التعليم يشعر بما نقاسيه وفلذات أكبادنا مع تواصل الاحتقان ولجوء الأساتذة للإضرابات كسلاح أخير لفرض مطالبهم، لكن نحن من يدفع الثمن غاليا لأننا مضطرون لتعليم أبنائنا بالمدارس العمومية، ولا نملك بديلا إلا الانتظار وترقب ما ستسفر عنه الأوضاع».
معاناة لطيفة تتقاسمها مع جميع الأمهات اللواتي التقتهن «الصحراء المغربية»، وعبرن عن مشاعرهن المتضاربة بين دعم مطالب الأساتذة وقلقهن إزاء تحصيل أبنائهن الدراسي ومستقبلهم الأكاديمي، كما حملن مسؤولية ضياع حق تمدرس أبنائهن مباشرة لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، باعتباره المسؤول الأول عن ضمان سيرورة التعليم العمومي في ظروف جيدة ومنتظمة، ووضع حلول ملائمة لكل التحديات التي يمكن أن تواجه تحقيق هذا المبتغى، بحسبهن.
من جهتهم، عبر مجموعة من التلاميذ عن مشاعر الحزن والامتعاض، حيث أن طموحاتهم الدراسية تعترضها عقبات نتيجة للفترات الطويلة من عدم الاستقرار في البيئة التعليمية، موضحين أن عدم انتظام سلسلة التعلم وتقدم المقررات والبرامج الدراسية يعيقهم عن التمكن من فهم المواد، والتزود بالمعرفة الكافية لاجتياز الامتحانات المقبلة بأمان، كما يزيد هذا الأمر من ضغوطاتهم النفسية، ويفقدهم الحماس والتفاعل في مواصلة التعليم وتحقيق الأهداف التي يطمحون إليها. من جانبها، أعربت الفدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء أمور التلاميذ بالمغرب عن استنكارها لحالة «العبث» التي تعيشها المدرسة العمومية، جراء ما وصفته بالوضع «الشاذ» وغير المقبول أخلاقيا وإنسانيا وتربويا، داعية أولياء الأمور إلى مرافقة أبنائهم وبناتهم المتمدرسين إلى الالتحاق بفصولهم الدراسية في أوقات العمل المنصوص عليها في جدول حصصهم الدراسية، للتعبير عن رفضهم المدارس المغلقة، وحملت مسؤولية منع أو إخراج التلاميذ إلى الشارع لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والأطر التربوية والإدارية.
وطالبت الفدرالية مجددا باعتبار مصلحة التلميذ فوق أي اعتبار، وأن حق التلميذ من أسمى الحقوق التي لا تخضع للمزايدات والمساومة، وفي مقدمتها التعليم الجيد والحماية، مع ضمان تكافؤ الفرص بين كل المتمدرسين والمتمدرسات، داعية إلى تغليب المصلحة العليا للوطن ولأبناء الفئات الهشة والمقهورة التي تضررت من هذه الوضعية غير المسبوقة في قطاع يراهن عليه في كل تنمية بشرية، وشددت على الوزارة الوصية لاتخاذ الإجراءات والقرارات الحاسمة التي من شأنها وضع حد لما وصفته بـ»التلاعب والاستهتار» بمصير أبناء الشعب المغربي.
أسماء إزواون
