جعبري: الحرب أعادت فلسطين إلى الواجهة.. واستمرار التطبيع مع إسرائيل مستحيل

قال رافع جعبري، باحث ومحلل سياسي مختص في الشرق الأوسط بمركز العلوم السياسية– باريس، إن “الشعوب العربية لن تقبل بالتطبيع مع إسرائيل، وسيصبح مستحيلا في حال عدم وجود عملية سياسية جدية واتفاق سلام يفضي إلى حل الدولتين”.

وأضاف جعبري أن “الأردن سحبت سفيرها من تل أبيب وكذلك البحرين وتركيا، لكن الاتفاقات قائمة بين الدول، وهذا يدل على وجود أزمة في العلاقات، كما تبقى قائمة بالحد الأدنى من خلال التواصل على المستوى الأمني والعسكري”، وزاد: “هناك بعض الدول واصلت علاقاتها، لكن من المهم التذكير أن معظم هذه العلاقات قائمة على التعاون بين الدول وليس بين الشعوب، ولهذا لن تنجح، بل أصبحت شبه مستحيلة لتطويرها بين الشعوب لأن قتل الفلسطينيين وتدمير قطاع غزة من خلال سياسة الانتقام يشكل صدمة للشعوب في الشرق الأوسط، وخاصة التي عاشت تحت الاحتلال وسيطرة القوى الاستعمارية عليها وعلى مواردها. كما لعب توفر المعلومات من خلال الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي دورا هاما في إيصال الحقيقة للشعوب العربية وشعوب العالم”.

وبين المحلل السياسي ذاته أن “الجميع يعتقد أن حزب الله سيتدخل في الحرب بشكل أكبر وأسرع، ما سيؤدي إلى تدخل إيراني أيضا، ولكن من الواضح أن تحذيرات الإدارة الأمريكية منذ اليوم الأول من خلال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن وإرسال حاملات الطائرات الهجومية ” يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” و”يو إس إس جيرالد آر فورد” قد لعبت دورا هاما في التدخل من حزب الله والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، مع الدعم الإيراني. لكن من المبكر الحديث عن خذلان إيران لحليفتها حماس، لأنه حتى الآن ورغم قوة الدمار والقتل الذي قام به الجيش الإسرائيلي في غزة لم يحقق أي انتصار عسكري أو سياسي يجعل استحقاق التدخل بشكل أكبر من حزب الله وإيران واجبا ويعتبر خذلانا”.

وفي سياق متصل لفت جعبري إلى أن “الحكومات الإسرائيلية المتتالية أثبتت منذ اتفاق أسلو عام 1993 أنها لا تريد إعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، من خلال مسار سياسي تفاوضي سلمي”، مردفا: “كان هذا واضحا من خلال إدارة الحكومات الإسرائيلية المتتالية المسار التفاوضي لعملية أسلو، وأيضا سياساتها الاستيطانية والقمعية تجاه الشعب الفلسطيني وقادته، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي قضى آخر أيامه محاصرا بالدبابات الإسرائيلية في مقر تواجده، ما أدى إلى استشهاده عام 2004. وواجهت هذه السياسات القمعية مقاومة مسلحة من الحركات الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس التي كانت في خلاف مستمر مع ياسر عرفات واصطدمت في بعض الأحيان مع الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية التي كان دورها الوظيفي توفير الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين”.

وتابع المتحدث شارحا: “جاءت عملية طوفان الأقصى في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي ذكرت سابقا ضمن اليأس الفلسطيني من المسار التفاوضي والمقاومة السلمية في مواجهة الاحتلال، والسياسات الإسرائيلية بتعزيز التوسع الاستيطاني وإضعاف القيادات الفلسطينية السياسية والتدخل السلبي في النظام السياسي الفلسطيني وسياسة أسر الفلسطينيين وقادتهم من حركة فتح والجبهة الشعبية وحماس والجهاد الإسلامي وحركات أخرى، وضمن الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة والشعب الفلسطيني”، وزاد: “وجاءت عملية طوفان الأقصى للتصدي لسياسات الاحتلال الإسرائيلي وشكلت انتصارا عسكريا استخباراتيا على الجيش الإسرائيلي الذي يتمتع بأحدث التقنيات العسكرية وأنظمة المراقبة، وهو جيش نظامي يسيطر على قطاع الاتصالات والمعابر، ومع ذلك قامت حركة حماس بابتكار حلول عسكرية من خلال بناء شبكة أنفاق تحت قطاع غزة وتحقيق انتصار عسكري. هذا الانتصار العسكري قضى على نظرية التفوق العسكري الإسرائيلي وسيفتح الطريق لمقاومة بأشكال جديدة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة حتى إنهاء الاحتلال. فلسطينيا، شكلت هذه العملية دعما شعبيا في كل أنحاء فلسطين، وخاصة باستهداف القاعدة العسكرية الإسرائيلية وأسر الجنود والضباط”.

وأوضح المحلل السياسي ذاته أن حركة حماس بدأت هذه العملية وهي تعرف جيدا كيف تبدأ الحرب، لكنها لا تعرف متى وكيف ستنتهي.

وفي هذا الصدد شرح المتحدث أن “الحرب حتى الآن لم تنته، لكنها أعادت القضية الفلسطينية لتصبح الأولوية على أجندات القادة في العالم، إذ أصبحت قضية أمن قومي في العديد من الدول، إذ إنها تؤثر سلبيا على النظام العالمي بسبب الفجوة التي حدثت بين مبادئ القانون الدولي ومواقف وأعمال الدول العظمى، وخاصة أعضاء مجلس الأمن”.

“لا توجد أهداف عسكرية إسرائيلية حتى الآن سوى شعار القضاء على حماس، وهذا ليس هدفا ولا إستراتيجية. هذا يندرج ضمن سياسة الردع التي تعرف بسياسة الضاحية التي ذكرتها سابقا. لم تحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية، مثل القضاء على قادة حماس أو القضاء على الأنفاق، لكن السؤال المهم ما هي تبعات هذه الحرب وما بعدها؟”، يورد الجعبري، مستدركا بالقول: “لن يكون من الممكن إعادة الأمن والاستقرار في الأراضي الفلسطينية بعد هذه الحرب إلا من خلال عملية سياسية واتفاق سياسي شامل يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا غير ممكن حتى الآن بسبب الدعم الدولي لإسرائيل الذي يمكنها ويشجعها على تنفيذ سياستها”.

وخلص الجعبري إلى أن “الحرب لم تنته للتحدث عن نتائج نهائية، لكن إسرائيل حتى الآن لم تحقق أيا من أهدافها العسكرية، وحماس حققت إنجازا في بداية الحرب، وهو تدمير صورة الجيش الإسرائيلي وقدراته العسكرية والاستخباراتية في العالم، وخاصة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين، وأخيرا إعادة اهتمام الرأي العالمي للقضية الفلسطينية وفضح سياسات الاحتلال التي ساهمت السلطة الفلسطينية بفضحها بطريقة غير مباشرة لأن الضفة الغربية ليست تحت سيطرت حماس لكنها تتعرض للقمع والتوسع الاستيطاني”.

*متخصصة في العلاقات الدولية والدراسات الاستشراقية

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى