شُرع فعليا في إجراء “عملية التسوية التلقائية”، التي دخلت حيز التطبيق منذ فاتح يناير للسنة المالية الجارية وتستمر في السريان الفعلي إلى 31 دجنبر 2024، تطبيقاً لمقتضيات المادة 8 من قانون المالية رقم 23-55 برسم سنة 2024.
وتهمّ العملية، التي اشتُهرت لدى عموم المغاربة بـ”عفا الله عمّا سلف” (منذ سنوات حكومة بنكيران)، جميع “الأشخاص الذاتيين والاعتباريين المقيمين الذين يتوفرون على إقامة مالية أو مكتب مسجل أو مقر مالي في المغرب”، وكذا تلك الفئة من مكتسِبِي “ممتلكات وأموال في الخارج بطريقة تُخالف قانون الصرف قبل فاتح يناير 2023″، حسب بلاغ لمكتب الصرف.
وتضمن عملية التسوية التلقائية تقديم تصريح الأشخاص “بدون الكشف عن هويتهم” إلى البنك الذي يختارونه، وفقًا لنموذج تم تحديده مسبقًا من قبل مكتب الصرف. وقد تم تحديد نِسَب المساهمة الإبرائية وفقا لما ورد في قانون المالية لسنة 2024.
وقد واكَب مكتب الصرف الإجراء بـ”نشر خانة خاصة بعملية التسوية التلقائية لسنة 2024 على بوابته الإلكترونية الرسمية”، التي تتضمن “الأحكام التنظيمية والدليل الخاص بالعملية. كما تُمكن هذه الواجهة من السماح بالتفاعل مع فريق من مكتب الصرف مختص لهذه العملية”.
التسوية التلقائية التي سيطلقها مكتب الصرف طيلة سنة 2024 بعد إقرارها في قانون المالية تسائل كيفية وإمكانية توفيرها أيضا “هوامش مالية” لفائدة ميزانية الدولة.
“تجربة سابقة ناجحة”
محمد الرهج، خبير مالي ومحلل اقتصادي، قال إن هذا الإجراء الهام أصبح “شبه متواتر” في قوانين المالية منذ عام 2013، باعتباره “يهمّ عدداً من المصدِّرين في القطاع الفلاحي والصناعي والتجاري، رغم أنهم مستفيدون من تسهيلات وإعفاءات من الدولة في إطار ممارسة أنشطتهم”، لافتا إلى أن بعضهم “يتوفر على جنسية مزدوَجة”، ومن المرتقب أن يُدِرّ خلال العام الحالي 3 مليارات درهم بالنسبة لجميع الفئات المعنية به.
وأشار الرهج، في إفادات لجريدة النهار، إلى أن “تجربة 2013 للتسوية التلقائية كانت ناجحة ومسَّت 27 مليار درهم متحصلة ما بين ممتلكات وأسهُم وودائع، كما أدخلت 6 مليارات درهم إلى الخزينة عبر اعتماد المساهمة الإبرائية”، إلا أنه استدرك قائلا: “كانت تجربة في بدايتها ولم تُعط مجالا كبيرا للأجانب”.
وعرّج المحلل الاقتصادي ذاته على “سنة 2019 التي عرفت تعميما على الأجانب المقيمين بالمغرب والذين لا يصرّحون بجميع دُخولاتهم فوق التراب المغربي وخارجه”، مسجلا أن “الأشخاص الذاتيين يعتمد في حالتهم الوعاء الضريبي المحتسب بناء على الدخل العالمي المسجل متوزعا بين المحلي/الوطني، وكذا الأجنبي”، وهو إجراء يعرف تنسيقا بين مكتب الصرف والإدارة الجبائية.
“هوامش مالية تحتاج لضبط أكثر”
في حديثه لجريدة النهار، أثار أستاذ الاقتصاد “تعدد نسَب المساهمة”، التي تُبرئ ذمما مالية عديدة باختلاف الفئات المستهدَفة من الإجراء، مؤكدا أنها تصل إلى الممتلكات لأداء 10 بالمائة من قيمتها، فيما تختلف بالنسبة للودائع البنكية/ أو الـمَحافظ المالية بالخارج التي يتوفر عليها مالكو الأموال في دول أجنبية ويريدون الحصول على أموالهم بالمغرب بالدرهم القابل للتحويل إلى العملة الصعبة لتبلغ نسبة 5 في المائة فقط. أما بالنسبة إلى “فئات تريد إدخال العملة الصعبة مقابل الدرهم، فالـمساهَمة الإبرائية في حقّها هي 2 في المائة”.
وشدد المتحدث على أهمية “ضبط الهوامش المالية المتبقية في مجموعة طرق أخرى ما زالت تُنتهج من طرف “محترِفي” تهريب الأموال إلى الخارج، مما يَحرم البلاد من عوائد وفوائد جمة هي في أمسّ الحاجة إليها لتمويل مشاريع وأوراش تنموية كبرى للبلاد”، مذكّرا بتوقيع “المغرب منذ 2019 على معاهدة دولية لتبادل المعلومات المالية وانخراطه فيها”.
وخلص الخبير قائلا: “ما زال هناك إشكال مطروح في باب الأخلاقيات وضمانات عدم تهريب الأموال لشراء ممتلكات واستثمار في حقائب مالية خارج البلاد”.
السلبيات “تخدش” الإيجابيات
من جهته حاول زين الدين عبد المغيث، أستاذ المالية العامة والضرائب بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، رؤية الموضوع من زاويتيْن، قال إنهما تتوزَّعان على “الإيجابية والسلبية”، لكن توفير الدولة وتحصيلها رصيدا ماليا يظل من أبرز الإيجابيات، مع “دعم المواطَنة الجبائية وتكريسها أكثر في نفوس مغاربة مقيمين ماليا خارج المملكة “.
وأشاد الجامعي المختص في المالية، في حديثه لجريدة النهار، بنتائج “سياسة عفا الله عما سلف، التي أتت أكلها نسبياً عبر تحقيق وضمان عودة نسبة معيّنة من أموال مهرَّبة قد تذهب إلى أوراش اجتماعية كبيرة يراهن عليها الفاعل العمومي في سياساته”.
بالمقابل، لفت عضو “منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية” إلى سلبيات قد تنتج عن “إعادة التدوير التي تخضع لها أموال التسوية التلقائية”، مثيرا الانتباه إلى أن “التشريع الضريبي في إطار قانون المالية قد يحيل إلى التهرّب القانوني”.
كما تحدث في شق السلبيات عن “الاستثناء التشريعي- المالي الذي يثير إشكاليات تهديد الأمن القانوني”، رغم استرجاع مبالغ معتبَرة، مضيفا إليها ما قد ينجم عنه من “إخلال بالمساواة أمام القانون الذي يظل مبدأ دستوريا”.
وعلّق على النسب المطبقة بكونها “نسَبا معقولة” لتشجيع المتهربين ولإثبات حسن النية في تسوية وضعيتهم وذِمَمِهم، وهو ما يشكل “استدراجا بتفضيل رغم سياسة العفو الضريبي أحيانا، إلا أن الضريبة تظل من صميم التعبير عن المواطَنة الحقة”.